يتوجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، إلى العاصمة الجيبوتية لعقد قمة ثنائية مع نظيره إسماعيل عمر جيله، في زيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة التنسيق المشترك بشأن الأوضاع الإقليمية في البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي، وفقًا لبيان صادر عن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية.
ورغم العلاقات السياسية الإيجابية بين البلدين، شهدت العلاقات التجارية بين مصر وجيبوتي تراجعًا ملحوظًا في عام 2024، حيث انخفض حجم التبادل التجاري إلى 122.4 مليون دولار، مقارنة بـ161.9 مليون دولار في 2023، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS).
يعود هذا التراجع، بشكل رئيسي، إلى انخفاض الصادرات المصرية إلى جيبوتي من 152.3 مليون دولار إلى 108.6 مليون دولار خلال الفترة نفسها.
ورغم هذا الانخفاض، فقد ارتفعت الواردات المصرية من جيبوتي إلى 13.8 مليون دولار عام 2024، مقارنة بـ9.6 مليون دولار في 2023، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة (COMTRADE)، مما يعكس تحسنًا طفيفًا في الميزان التجاري لصالح جيبوتي.
صادرات مصر… تنوع وقيمة مضافة
لا تزال مصر تحتفظ بمكانتها كمصدر إقليمي رئيسي للمنتجات الزراعية والمصنعة، حيث تصدّرت الأسمدة قائمة الصادرات المصرية إلى جيبوتي بقيمة 62.3 مليون دولار، تلتها منتجات الدقيق والنشا (8.6 مليون دولار)، ثم الزيوت العطرية ومستحضرات التجميل (6.3 مليون دولار)، والصابون والمنظفات (6.1 مليون دولار)، والزيوت النباتية والحيوانية (4.6 مليون دولار)، ما يبرز القدرة التصنيعية والتنافسية المصرية في الأسواق الأفريقية.
في المقابل، تركزت الواردات المصرية من جيبوتي بالكامل على الحيوانات الحية، في دلالة على تزايد الطلب المحلي على الثروة الحيوانية القادمة من القرن الأفريقي.
شهدت الاستثمارات الجيبوتية في مصر طفرة كبيرة خلال العام المالي 2023/ 2024، لتصل إلى 2.2 مليون دولار، مقارنة بـ42 ألف دولار فقط في العام السابق، ما يعكس اهتمامًا متزايدًا بالسوق المصرية.
في المقابل، تراجعت الاستثمارات المصرية في جيبوتي إلى 670 ألف دولار فقط، بعد أن كانت 21.4 مليون دولار في 2023، وهو ما قد يشير إلى تغير في إستراتيجيات الاستثمار أو الحذر من الظروف الاقتصادية الإقليمية.
تعاون تنموي إقليمي
تأتي هذه التطورات بالتزامن مع جهود تنموية كبرى تشهدها جيبوتي، حيث يقود البنك الأفريقي للتنمية شراكة إستراتيجية مع الحكومة الجيبوتية لدعم مشاريع البنية التحتية، وعلى رأسها شبكة الطرق الوطنية وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، كجزء من “رؤية جيبوتي 2035” الهادفة إلى تحقيق نمو اقتصادي سنوي بنسبة 10% في نصيب الفرد من الناتج المحلي.
وأكد رئيس الوزراء الجيبوتي، عبد القادر كامل محمد، أهمية المشاريع التنموية في الحد من الهجرة الداخلية وتعزيز التنمية المتوازنة، وهو ما لقي دعمًا من البنك الأفريقي للتنمية ممثلًا في المدير التنفيذي لمصر وجيبوتي الدكتور خالد شريف.
تمويل دولي لتعزيز التحول الرقمي والحوكمة
وفي خطوة أخرى لدعم الإصلاحات الاقتصادية، وافق البنك الدولي في يناير 2025 على منحة بقيمة 20 مليون دولار لدعم مشروع “الحوكمة الاقتصادية والمالية” في جيبوتي، الهادف إلى تعزيز كفاءة إدارة الضرائب، وشفافية الإنفاق العام، والوصول إلى الخدمات الرقمية.
يأتي المشروع في إطار إستراتيجية الحكومة للفترة 2024-2030 وخطة “رؤية 2035″، إضافة إلى توافقه مع إطار الشراكة القُطرية للبنك الدولي.
وقالت فتو فال، الممثلة المقيمة لمجموعة البنك الدولي في جيبوتي، إن المشروع سيسهم في تحسين كفاءة تحصيل الضرائب وتوظيف الموارد العامة، ما يؤدي إلى تحسين الأداء المالي العام وتعزيز الرفاهية الاقتصادية للمواطنين.
ورغم التراجع المؤقت في بعض مؤشرات التجارة الثنائية، فإن العلاقات الاقتصادية بين مصر وجيبوتي تحمل آفاقًا واعدة للتوسع، خاصة في ظل المشاريع الإقليمية الجارية ودور جيبوتي الإستراتيجي كبوابة للبحر الأحمر وشرق أفريقيا.
وتشكل الزيارات الرئاسية رفيعة المستوى، مثل زيارة الرئيس السيسي الحالية، فرصة لإعادة ضبط البوصلة التجارية والاستثمارية، والدفع نحو شراكة اقتصادية أكثر تنوعًا واستدامة، تعزز المصالح المشتركة في واحدة من أكثر المناطق حساسية جيوسياسية في العالم.