ما أُريد هو مساعد لى، لمدة سنة، كبداية .. بالإضافة إلى أيام طويلة، غالباً ستعمل أربع أو خمس ليال فى الأسبوع، و أغلب نهايات الأسبوع .. بصراحة أشك أنه سيكون بإمكانك أن يكون لك زوجة أو صديقة (أو لكٍ زوج أو صديق) .. أنا لا أريد خريجى مدارس خاصة أو أوكسفورد أو كامبريدج، يتكلمون بمنتهى الثقة و لكن فى الغالب كلام فارغ .. ما أريده شخص أذكى منى .. يتحدث بصراحة و جراءة .. هناك احتمال أن تكون، كمجموعة من المستشارين الذين سيتم تعيينهم الآن، لك خبرة عدد من السنوات فى الرياضيات أو الفيزياء أو علوم المعلومات التطبيقية .. لكن ربما فى الأنواع الجديدة من الترفيه أو الألعاب أو استخدامات خلابة من الخيال .. ممكن جداً أنك لم تذهب لأى جامعة .. ممكن يكون لك تاريخ سيئ .. قد تكون غريب الأطوار وانطوائياً .. لكن، لا شك أن لديك نجاحات واضحة، و غالباً شخصية .. النقطة هى، أن كل ما قمت به من قبل غريب و غير مألوف و متنوع – لكنه ناجح، و زودك بأساليب غير تقليدية فى التفكير و فى رؤية العالم، و كلما كانت شخصيتك متفردة، غالباً سنعجب بك و سندعوك لمقابلة .. إذا كنت ممن يتملقون أو يلعبون سياسة فى العمل، مش حتنفع، حتنكشف و حتترفد.
ذلك جزء من إعلان عمل فى مكتب رئيس وزراء بريطانيا الجديد، بوريس جونسون، و خاصة للعمل فى مكتب أهم مستشاريه دومينيك كامينجز.
إعلان كامينجز ذهب أبعد من ذلك. الرجل غاضب من عدم تطور أسلوب عمل مكتب رئيس الوزراء لعقود، و الاحتفاظ بذهنية يراها تقليدية و غير قابلة للنجاح فى الزمن الحالى. كامينجز يقول، بقدر من التحليل و السخرية: إنه فى نواح عديدة، فإن أسلوب عمل مكتب رئيس الوزراء لم يتطور منذ كان اسكويث هنا .. أى منذ الحرب العالمية الأولى، عندما كان رئيس الوزراء اسكويث- والعهدة على كامينجز- يدير مجلس الوزراء المُصغر و يتحدث مع صديقته فى آن واحد.
الرجل يوضح تفكيره فى تساؤل: كيف يمكننا مواكبة ابتكار وخيال كبرى شركات المعلومات و الاتصالات و الذكاء الصناعى فى العالم لنكون شركاء لهم بالفعل؟ كيف يمكننا تصور أفكار من يُحيطون بفلاديمير بوتين (رئيس روسيا)؟ كيف يمكننا متابعة و سبق كبرى المنظمات الإجرامية عابرة القارات؟ كل هذه التساؤلات مجرد أمثلة لتبيين الموضوعات المختلفة التى سيكون على هذه المجموعة من المساعدين ان يتعاملوا معها.
وبالطبع، فى قلب تلك التساؤلات، كامينجز يريد حوله وحول رئيس الوزراء عقولاً تستطيع تخطى العادى والتقليدى فى التفكير بمشاكل (وفرص) بريطانيا الاقتصادية والاجتماعية، خاصة فى مرحلة ما بعد البريكسيت (الخروج من الاتحاد الأوروبى). الجملة الدالة فى الإعلان هي: لا نريد رجال بلاط، نريد مفكرين و مديرين.
جزء من الغرض من هذا الإعلان هو فعل الصدمة.. أولاً فى دوائر السياسة و الأعمال البريطانية. كامينجز يرسل رسالة إلى قمة المجتمع البريطانى أن حكومة بوريس جونسون لن تكون استمرارًا لما سبقها، بما فى ذلك حكومتا دافيد كاميرون و تيريزا ماى (و قد كانا من حزب المحافظين الذى يقوده جونسون الآن). الرسالة الثانية إلى البيروقراطية البريطانية و الإنجليزية بالأخص، وهى مؤسسة عريقة ذات قواعد و نظم و تقاليد، بعضها موروث منذ أيام الإمبراطورية التى كانت يوما لا تغيب عنها الشمس. و الرسالة هنا، أن رئيس الوزراء الجديد، القادم بمشروع الخروج من الاتحاد الأوروبى والمثل لأفكاره، لن يقبل التعقيدات والضوابط التى طالما فرضتها تلك البيروقراطية على السياسيين البريطانيين.
هناك من يرون فى ذلك الإعلان دعاية سياسية لا أكثر .. أسلوباً ذكياً لجذب معجبين و إرباك معسكرات سياسية مختلفة. لكن، من يعرفون صلابة فكر المجموعات الداعمة لبريكسيت، ونقلاً عن بعض من جلسوا مع كامينجز عدداً من المرات، فالموضوع غالباً أكبر من مجرد دعاية. هناك احتمال أن يأتى بوريس جونسون و كامينجز بنوع جديد من الأداء فى مكتب رئيس الوزراء، خاصة فى التعامل مع البيروقراطية الإنجليزية، قد يؤدى إلى تغير كبير فى أسلوب صنع السياسات فى بريطانيا. و مثل ذلك التغير يستحق الاهتمام و المتابعة.
* كاتب مصرى مقيم فى لندن