من المتوقع أن يؤدي اتفاق سقف الدين الذي صاغه الرئيس جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي ، حال موافقة الكونجرس عليه في الأيام المقبلة، إلى زيادة مخاطر انكماش الاقتصاد الأمريكي، بحسب وكالة بلومبرج.
ساعد الإنفاق الفيدرالي في الأرباع الأخيرة على دعم النمو الأمريكي في مواجهة معوقات عدة، منها التراجع الكبير في بناء المساكن، ومن المرجح أن يُضعف اتفاق سقف الديون هذه القوة الدافعة على الأقل. وأظهر استطلاع أجرته بلومبرج قبل أسبوعين من الاتفاق أن خبراء الاقتصاد يرون أن احتمال حدوث ركود العام المقبل يبلغ 65%.
اتفاق سقف الدين
وبالنسبة لصانعي السياسة النقدية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يُعد سقف الإنفاق متغيراً جديداً يجب أن يضعوه في الحسبان بينما يحدثون توقعاتهم للنمو ومعدل الفائدة القياسي، والتي من المقرر إصدارها في 14 يونيو.
وكان متداولو العقود الآجلة يتوقعون أواخر الأسبوع قبل الماضي إبقاء سعر الفائدة دون تغيير في اجتماع السياسة النقدية في منتصف يونيو، قبل رفعه مرة أخيرة 25 نقطة أساس في يوليو.
قالت ديان سوونك، كبيرة الاقتصاديين في “كيه بي إم جي”: “هذا الأمر سيجعل السياسة المالية أكثر تقييداً إلى حد ما، في الوقت الذي تتسم فيه السياسة النقدية بالتشديد، ومن المرجح أن تصبح أكثر تشديداً… السياستان تتحركان في الاتجاه المعاكس وتزيد كل منهما من تأثير الأخرى”.
ارتفعت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية في التعاملات الصباحية اليوم الاثنين في آسيا، حيث صعدت عقود مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” بنسبة 0.4% في الساعة 9:02 صباحاً في طوكيو. وتداولُ سندات الخزانة متوقف في عطلة يوم الذكرى، لكن العقود الآجلة لسندات الخزانة لأجل 10 سنوات تراجعت، مما أدى إلى ارتفاع العائد الضمني قليلاً إلى 4.46%.
من المتوقع تطبيق قيود الإنفاق اعتباراً من السنة المالية التي تبدأ في أول أكتوبر، رغم أنه من المحتمل ظهور تأثيرات طفيفة قبل ذلك- مثل تقليص مساعدات كوفيد أو التوقف تدريجياً عن تحمل ديون الطلاب. إلا أنه من غير المرجح أن تظهر في حسابات الناتج المحلي الإجمالي.
“حيلة محضة”
كما نصح توبين ماركوس، كبير محللي السياسات الأميركية في “إيفركور آي إس آي” ، بأنه سيكون من المهم تقييم الدرجة التي تكون فيها حدود الإنفاق “حيلة محضة” في ظل سعي المفاوضين إلى جسر هوة الخلافات عبر المناورات المحاسبية.
ورغم ذلك، ومع توقع بقاء الإنفاق للسنة المالية المقبلة في نطاق مستويات 2023، فإن القيود التي يفرضها الاتفاق ستبدأ في وقت ربما يكون فيه الاقتصاد في حالة انكماش. كان الاقتصاديون الذين استطلعت بلومبرغ آراءهم سابقاً قد توقعوا انخفاض الناتج المحلي الإجمالي 0.5% للفصلين الثالث والرابع على أساس سنوي.
قال مايكل فيرولي، كبير محللي الاقتصاد الأميركي لدى “جيه بي مورجان تشيس أند كو” في رد بالبريد الإلكتروني على أسئلة: “تميل المضاعِفات المالية (نسبة التغير في الدخل القومي الناتج عن التغير في الإنفاق الحكومي) إلى أن تكون أعلى في فترات الركود، لذلك إذا دخلنا في ركود، فإن الإنفاق المالي المنخفض قد يكون له تأثير أكبر على الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف”.
لكن ما ذهب إليه فيرولي يتمسك بافتراض “جيه بي مورجان” الأساسي المتمثل في تجنب الولايات المتحدة الركود.
تماسك الاقتصاد
وبقدر تباطؤ الاقتصاد، ربما تعمل السياسة المالية جنباً إلى جنب مع السياسة النقدية لكبح جماح التضخم، والذي أظهر تقرير الأسبوع قبل الماضي أنه لا يزال أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي.
قال جاك أبلين، كبير مسؤولي الاستثمار في “كريسيت كابيتال مانجمنت، “إنه تطور مهم- مر أكثر من عقد منذ أن كان صانعو السياسة النقدية والمالية يجدفون في الاتجاه نفسه. ربما يكون الانضباط المالي عنصراً آخر يؤثر على التضخم”.
ورغم رفع أسعار الفائدة الفيدرالية 5 نقاط مئوية منذ مارس من العام الماضي- وهي أقوى حملة تشديد نقدي منذ أوائل الثمانينيات- فقد أثبت الاقتصاد الأميركي أنه قوي حتى الآن.
فالبطالة وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من نصف قرن عند 3.4% بفضل الطلب المرتفع تاريخياً على العمالة. كما أظهرت دراسة أجراها مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو في الآونة الأخيرة أن المستهلكين لا يزال لديهم مدخرات فائضة من الجائحة يمكنهم استخدامها.
موقف السيولة
سيضع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي مجموعة من الاعتبارات في حسبانهم عند تحديد سعر الفائدة، لأنه بصرف النظر عن تأثير الاتفاق على آفاق الاقتصاد، ستكون له تداعيات على أسواق المال والسيولة.
سحبت وزارة الخزانة من رصيدها النقدي لمواصلة سداد المدفوعات منذ أن وصلت إلى حد الدين البالغ 31.4 تريليون دولار في يناير، وبمجرد تعليق السقف بعد التشريع المقبل، سيزيد ذلك من مبيعات أذون الخزانة بهدف إعادة هذا المخزون إلى مستويات طبيعية.
ستؤدي هذه الموجة من أذون الخزانة المُصدرة حديثاً إلى استنزاف السيولة من النظام المالي بشدة، رغم أن تقييم تأثيرها بدقة قد يكون صعباً. وربما يلجأ مسؤولو وزارة الخزانة أيضاً إلى ترتيب إصدارها لتقليل الاضطرابات.
في غضون ذلك، يعمل الاحتياطي الفيدرالي على تخفيض السيولة من تلقاء نفسه، عبر التخلص من محفظته من السندات بما يصل إلى 95 مليار دولار شهرياً، وهي آلية سيراقبها الاقتصاديون عن كثب في الأسابيع والأشهر المقبلة.
وعلى المدى الطويل، من شبه المؤكد ألا يفعل نطاق القيود المالية التي وضعها المفاوضون شيئاً يذكر لمسار الدين الفيدرالي.
قال صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة ستحتاج إلى تشديد ميزانيتها الأولية- أي استبعاد مدفوعات فوائد الديون- بنحو 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي “لوضع الدين العام على مسار هبوطي حاسم بحلول نهاية هذا العقد”.
“مسألة تقديرية”
وعليه، فإن الإنفاق في ظل انضباط مالي كبير على هذا النحو سيقل كثيراً عن مستويات 2023.
كتب ماركوس من “إيفركور آي إس آي” في مذكرة للعملاء يوم الأحد: “حدود الإنفاق لمدة عامين والتي تُعد أساس الاتفاق، تُعتبر إلى حد ما مسألة تقديرية”. ويرى أنه “يجب أن تظل مستويات الإنفاق ثابتة تقريباً، لتقلل التحديات المالية على الاقتصاد لأدنى مستوياتها، ولتخفض أيضاً العجز بشكل هامشي فقط”.