فيما تفترض وسطية العالم العربى عند مركز الدائرة الشرق أوسطية ، فإنه يبدو رغم محوريته الجيوسياسية- كالمحاصر- بين الجارات غير العربيات على أطراف المنطقة (إيران- تركيا أو الآتين إليها من وراء البحر (إسرائيل) أو سواء من الشرق الأفريقى (إثيوبيا)، ذلك على النحو المخطط له من جانب الاستراتيجية الغربية فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، قبل أن يستأنف هذا التحالف القديم طريقه مع مطلع القرن الحالى إلى واجهة الشرق الأوسط الجديد «والموسع»- وفقاً للتسمية الأميركية الأوروبية منتصف العقد السابق- لتتقاسم أطرافه المتحالفة تطويع العالم العربى- عبر خديعة جيوبوليتيكية كبرى ماكرة، إذ تدعى التنافس على غير الحقيقة.. فيما تتبنى تسويات قضايا إقليمية يعجز العرب، لأسبابهم، عن تناولها فى مواجهة مشروعات توسعية تبدو وكأنها تتصارع فيما بينها، بينما تتفق فى الهدف النهائى على اقتسام الكعكة العربية لما يجوز تسميتها «رابطة الجوار الإقليمية»، إذ تتبنى إيران (مثالًا) دعم جيوب عربية (مقيدة) للمقاومة ضد إسرائيل.. بينما لا ترعوى طهران عن الاعتراف- حسب مسئوليها- بالهيمنة على صناعة القرار فى أربع عواصم عربية (بغداد- دمشق- بيروت- صنعاء)، الأمر الذى يدفع مرتجفين عرباً إلى الهرولة نحو الاعتراف بإسرائيل- بمظنة الذود عنهم فى مواجهة إيران- رغم كونهما لا يفترقان (تاريخيًّا) عن بعضهما- كدولة احتلال اغتصابية- لا تزال، وذلك بالتوازى من جانب آخر مع انعقاد الاجتماع السادس سبتمبر الماضى.. للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجى بين إيران وتركيا.. فى إطار سعيهما لمحاولات الفرز صوب مصلحتيهما الإقليميتين.. فيما بين مشروعيهما الأيديولوجى للإسلام السياسى، بشقيه المذهبيين، خاصة بالنسبة للحالة الليبية (مثالًا) التى تمثل وضعيتها الارتجالية.. مساحة مشتركة للتعاون بين البلدين.. وفى مواجهتهما للمحور القائم بين مصر والإمارات والسعودية، ذلك عبر احتمال تشكيل حلف إقليمى بقيادة إيران وتركيا، من المرجح سعيهما لإحياء ما يطلق عليه «الربيع الإسلامي» الذى تمثل جماعة «الإخوان المسلمين»- الوعاء السياسى- لهذا التلاقى بين قطبى مشروع الإسلام السياسى.. الذى سبق أن أعطى موافقته فى عهد الإخوان المسلمين بمصر 2012.. للتنازل عن أجزاء من سيناء كى توظفها إسرائيل كوطن بديل للفلسطينيين، باعتبارهم حصان طروادة.. إلى أن يحين الأوان من وجهة نظر إسرائيلية للعودة إلى أرض التيه لآبائهم المؤسسين كما تقول أساطيرهم غير الواقعية، ذلك فيما يدفع الظمأ بإسرائيل لمياه النيل نحو تشجيع ودعم إثيوبيا للتشدد فى موقفها بالنسبة لسد النهضة إلا بموافقة دولتى المصب- السودان ومصر- على تمرير المياه إلى إسرائيل، التى لا تتقاعس عن المناورة من جانب آخر مع دولة أعالى نهر الفرات فى تركيا (سد أتاتورك 77 مليار متر مكعب) بحيث يؤدى شح المياه عن زراعات العراق إلى اضطراره نحو تمرير المياه إلى إسرائيل، وفقاً للمشروع الأميركى 1951 عن «ترعة السلام» الذى رفضه العرب آنئذ.
إلى ذلك، تبدو الترويكا الإقليمية غير العربية مشدودة بأيديولوجياتها الدينية والمذهبية نحو أضابير التاريخ، بحثًا فى خرائطه عن أساطير يُراد إعادة إحيائها ولو بالحديد والنار، سواء من خلال العلاقة العضوية بين الأصوليات الدينية، إسلامية أو يهودية أو مسيحية (صهيونية) من ناحية، وبين الرأسمالية الطفيلية أو الاحتكارية (البترولية والمالية) من ناحية أخرى، ذلك بوصفهما، الأصولية والرأسمالية، وجهين لعملة واحدة.. فى إطار مشروعات احتلالية عنصرية توظف الدين لخدمة الأهداف التوسعية، سواء كان اللاعب إيرانياً أو إسرائيلياً أو تركياً، دون استثناء إثيوبيا التى تجد فى وفرتها المائية سبيلاً إلى تبوء موضع إقليمى متميز، إذ يتوافقون فيما بين أضلاعهم الأربعة على تصدير صور الإرباك والتشويش إلى وعى المواطن العربى، لا يخدعنه- افتراضاً- ألوان براقة عن خلافات مزيفة لروابط الجوار الإقليمى.. إذ تخفى وراءها الاستئساد ضد الغفلة العربية.