الصين وأمريكا وبينهما تايوان.. صراع على «نفط العصر»

لماذا لا تصنع الولايات المتحدة رقائقها الإلكترونية؟

الصين وأمريكا وبينهما تايوان.. صراع على «نفط العصر»
المال - خاص

المال - خاص

8:52 ص, الثلاثاء, 9 أغسطس 22

فى العقود الماضية، بذلت الولايات المتحدة جهودا متنوعة للسيطرة على منابع النفط فى الشرق الأوسط، على اعتبار أن الأمر يتعدى الأولويات الاقتصادية والسياسية إلى كونه مسألة “أمن قومي”.

وفى العصر الحالى، حولت واشنطن جهودها تلك إلى نفط من نوع جديد، لكن السيطرة عليه لا يمكن بحال أن يتم عسكريا أو حتى باستخدام وسائل الإغراء والهيمنة الثقافية والدبلوماسية.

ينبع نفط العصر هذه المرة من تايوان، الجزيرة الديمقراطية التى تحتضن شركة “TSMC” التى تستحوذ على نصيب الأسد من إنتاج الرقائق الإلكترونية المتطورة فى العالم.

وحسب تقرير حديث أصدره مركز الأمن الأمريكى الجديد (CNAS)، تعتمد الولايات المتحدة بالفعل على الرقائق الدقيقة بالغة التطور التى تنتجها تايوان أكثر مما كانت تعتمد على نفط الشرق الأوسط فى العقود الماضية.

ووفقا لصحيفة “تايبيه تايمز” فإن السوق الأمريكية كانت أكبر مشتر لرقائق “TSMC” فى 2021، حيث حققت مبيعات بقيمة 1.01 تريليون دولار تايوانى (نحو 34 مليار دولار أمريكي) بزيادة %24 عن 2020، وبما يمثل %64 من إجمالى إنتاج الشركة.

ويعد الأمر “مسألة أمن قومي” بالنسبة لواشنطن، لأن الرقائق الإلكترونية لا تستخدم فقط فى الهواتف الذكية والاتصالات والسيارات وغيرها من المنتجات الاستهلاكية، بل هى عنصر أساسى فى الكثير من الأسلحة المتطورة كطائرة F-35 على سبيل المثال.

لا ترتاح واشنطن إلى اعتمادها على منتج بالغ الحساسية كهذا فى ظل صناعته خارج أراضيها، وهى بالأحرى لا ترتاح أبدا إلى جار تايوان اللدود (الصين) الذى ينظر أيضا وبنفس النهم للجزيرة ورقائقها.

وتتمسك الصين من ناحيتها بأن تايوان – التى تتمتع بالحكم الذاتى وتديرها حكومة منتخبة – هى جزء من أراضيها.

وبدورها، فإن الصين التى أمسكت بتلابيبها على مفاتيح معظم الصناعات فى العالم، لا تزال بعيدة كل البعد عن ضمان “أمنها القومي” كونها تستورد قرابة %95 من الرقائق الإلكترونية التى تحتاج إليها.

وقد عانت الصين الأمرين للحصول على التقنيات المتعلقة بهذه الصناعة الدقيقة، لكنها واجهت ما يشبه الحصار سواء من أمريكا أو تايوان حتى تظل شركاتها بعيدة عن الحصول على أسرار “الرقاقة”.

لماذا لا تصنع الولايات المتحدة رقائقها الإلكترونية؟

تحتضن أمريكا قرابة 7 من أكبر 10 شركات لصناعة الرقائق الإلكترونية فى العالم، ومن بين تلك الشركات أسماء مدوية مثل إنتل وكوالكوم اللتان تحققان إيرادات مليارية شديدة الضخامة سنويا.

لكن الرقائق أنواع، ولكل نوع مسمى مختلف واستخدامات مختلفة وطرق صناعة وتقنيات متفاوتة.

تنتج أمريكا أنواعا مختلفة من الرقائق تدخل فى صناعة الإلكترونيات والأجهزة الطبية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والسيارات.

لكن الأجيال الأكثر تقدما كتلك التى تعتمد عليها أجهزة آيفون، لا تصنع إلا فى تايوان التى سبقت العالم كثيرا فى هذا المجال، خاصة مع إطلاقها الرقائق بتقنية 3 نانومتر.

ويشير رقم النانوميتر إلى العرض بين الترانزستورات على الرقاقة، وكلما كان العدد أصغر، كانت الشريحة أكثر تقدمًا ولكن أيضًا كلما كانت صناعتها أكثر صعوبة وتكلفة.

وحاليا، فإن أكثر تقنيات إنتاج الرقائق تقدمًا فى المنتجات الاستهلاكية اليوم هى تقنية 5 نانوميتر التى تصنعها أيضا شركة “TSMC” التايوانية وتُستخدم لجميع معالجات آيفون 12.

ووفقًا لـ”TSMC”، فإنه يمكن لتقنية 3 نانومتر زيادة أداء الحوسبة بنسبة 10 إلى %15 مقارنة بتقنية 5 نانومتر، مع تقليل استهلاك الطاقة بنسبة 25 إلى %30.

فى يناير الماضى، قال الرئيس الأمريكى جو بايدن صراحة إن بلاده تنتج بالكاد %10 من الرقائق فى العالم رغم أن شركاتها رائدة فى تصميم تلك الرقائق وفى الأبحاث العلمية المتعلقة بها.

وتابع: “ليس لدينا القدرة على صنع أكثر الرقائق تقدمًا حتى الآن، فهناك %75 من الإنتاج يتم فى شرق آسيا و%90 من الرقائق الأكثر تقدمًا مصنوعة فى تايوان.. تبذل الصين كل ما فى وسعها للسيطرة على السوق العالمية حتى يتمكنوا من محاولة التفوق على بقيتنا ولديهم الكثير من التطبيقات”.

وفى يوليو الماضى، طالب الرئيس الأمريكى الكونجرس بالمصادقة “فى أسرع وقت ممكن” على قانون ينص على تخصيص 52 مليار دولار لدعم إنتاج الرقائق الإلكترونية فى الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإنه بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن خبراء فى مركز الأمن الأمريكى الجديد، حتى إذا وافق الكونجرس على الاستثمارات الجديدة فى قدرات إنتاج الرقائق الدقيقة بأمريكا، سيظل الوصول إلى “الخبرة التايوانية” أمرا بعيد المنال إن لم يكن مستحيلا.

ويقول دان بلومنتال، الباحث فى معهد أمريكان إنتربرايز: “يكاد يكون من المستحيل تكرار قدرة تايوان التصنيعية للرقائق المتطورة”.

لماذا يعد التدخل العسكرى واردا؟

منذ اليوم الأول للاجتياح العسكرى الروسى على الأراضى الأوكرانية، أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن بوضوح أن بلاده “لن تتدخل عسكريا” على الأرض عبر قواتها.

قد لا ينطبق هذا الوضع على تايوان، إذا ما واجهت اجتياحا مماثلا من الصين، بحسب تحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

فمن ناحية، تلعب تايوان وما تنتجه من رقائق إلكترونية دورا أهم بكثير للاقتصاد الأمريكى من أوكرانيا، مما يعنى أنه سيكون من الصعب جدًا على الولايات المتحدة البقاء بعيدًا عن صراع يشمل تايوان.

وتتبنى السياسة الأمريكية طويلة الأمد تجاه تايوان “غموضا استراتيجيا” فى كل ما يتعلق بما إذا كانت واشنطن ستتدخل عسكريًا فى نزاع على الجزيرة.

هذا الترتيب الدبلوماسى الغامض تم تبنيه عن عمد منذ عام 1979، وظل قادة الولايات المتحدة غامضين بشأن الكيفية التى سيساعدون بها تايوان إذا هاجمتها الصين، لكن الرئيس بايدن تعهد بالدفاع عن الجزيرة.

ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدى ترك تايوان فريسة للصين، إلى حصول بكين أخيرا على تقنيات “الرقائق” ومن ثم فرض هيمنتها الصناعية المطلقة على العالم.

ورغم أن تايوان تؤكد أن تقنياتها بخصوص الرقائق لا يمكن السيطرة عليها عسكريا، إلا أن هذا لا يمنع على الأقل حدوث صدمة لاقتصاد أمريكا بحيث تتدهور سلسلة إمداد الرقائق الإلكترونية ثم يجد الأمريكيون أنفسهم خارج “العصر الحديث” كما عرفوه.

لكن خبراء آخرين قالوا إنه سيكون من المبالغة القول بإن الولايات المتحدة ستنجر إلى حرب بسبب الرقائق الدقيقة.

وقالت بونى لين من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن الصين نفسها قد لا تندفع إلى تلك الحرب، واللجوء إلى وسائل بديلة للجم تايوان، وستقرر أنواع الإجراءات القسرية التى ستتخذها ضد التايوانيين على أساس التهديد المتصور لسيادتها والتراكم الدولى المتوقع.

وأضافت: “الصين لن تبنى سياستها بشأن تايوان أو أى قرار باستخدام القوة ضد تايوان على أساس الرقائق”، وتابعت: “تفكر الصين فى تكاليف غزو تايوان.. هناك تكاليف سياسية وعسكرية كبيرة”.