تصاعدت عمليات تخريد السفن وإعادة تدويرها بقوة خلال العام المقبل 2023، ليتم التخلص من %2.5 من سعة أسطول نقل الحاويات لتنفيذ طلبات بناء السفن الجديدة للمحافظة بشكل مستدام على المحيطات والبحار والموارد البحرية لتحقيق التنمية المستدامة، وفقًا لتقرير لـ«Drewry» مركز الاستشارات البحرية.
وطالب خبراء الملاحة بضرورة استفادة مصر من تلك الصناعة، والتى يمكن من خلالها استغلال مخرجات تلك السفن من المعادن، وعلى رأسها الحديد فى صناعة الصلب، ويمكنها أن تجنى مصر أرباحًا تساعد على انطلاقها اقتصاديا.
وأشار تقرير «Drewry» إلى أن عام 2023 سيشهد ثانى أعلى مستوى لتخريد السفن سنويا على الإطلاق بعد عمليات تخريد وتفكيك تمت فى عام 2016 .
وقال المهندس محمد حجاج، مدير شركة البورسعيدية للأعمال الهندسية السابق، إنه مع حالة حركة التجارة العالمية الحالية والتقادم فى عمر السفن، وكذلك تغير القواعد الحاكمة لسلامه تشغيل السفن، والحفاظ على البيئة، نما نشاط تخريد وإعادة تدوير مكونات السفن، وصار نشاطًا أساسيًّا يحقق عوائد ضخمة لبعض الدول، إذ يمكن تصنيفه على أنه من ضمن الأنشطة البسيطة التى لا تحتاج إلى تقنيات ومهارات خاصة.
وأضاف «حجاج» أن المنافسة بين مصر وتركيا ستكون -سهلة- على حد وصفه فى صناعة التخريد، إذ إنها المتلقى الأول للسفن المطلوب تخريدها أوروبيا وغرب آسيا ودول البحر المتوسط.
وكشف «حجاج» أن التحدى الأكبر لصناعة التخريد فى مصر هو تأهيل المواقع التى سينفذ بها فى هذا النشاط من الكوادر البشرية، بجانب تطبيق متطلبات الهيئات الدولية والاتفاقيات التى تضمن الحفاظ على البيئة المحيطة بمنطقة العمل والسلامة والصحة المهنية للعاملين.
وأشار إلى أنه لابد من اقتناع كل مؤسسات الدولة المعنية بدعم هذه الصناعة، ودراسة كل المعوقات التى من شأنها تسهيل نمو ذلك النشاط، بدءا من التعاقد لجلب السفن المطلوب تخريدها، مرورا بالقوانين التى تضمن توافق إجراءات تنفيذ الأعمال مع الاتفاقيات الدولية وحتى أعمال البيع داخل أو خارج مصر للخامات والمهمات الناتجة عن عملية التخريد.
فى سياق متصل، طالب الدكتور مصطفى الجمال، رئيس قسم الهندسة البحرية وعمارة السفن سابقا بجامعة الإسكندرية، دراسة عن أهمية إضافة صناعة تخريد السفن وإعادة تدويرها ضمن قائمة مشروعات محور قناة السويس، باعتبارها من الاستثمارات المتوقع نجاحها فى مصر.
وذكر أنه لابد أن تتضمن الخطط المستقبلية المقترحة ضمن مشروعات محور قناة السويس، إقامة صناعة خضراء وصديقة للبيئة بعمل ساحات لتقطيع السفن، مشيرًا إلى أن تلك الصناعة توفر مدخرات العملة الأجنبية من استيراد الصلب والمواد غير المعدنية، وكسب أرباح ضخمة من خلال تسويق نواتج التخريد.
ألمح إلى أن مخرجات التخريد يمكن استغلالها فى بناء سفن أصغر من الألواح الفولاذية التى تم تفكيكها، مما تحسن أداء الاقتصاد، مشيرًا إلى أن منطقة قناة السويس موقع مثمرة لصناعة تكسير السفن، خاصة أنها تصل بين البحرين الأحمر والمتوسط ، مما يمنحها امتيازات إنشاء واحدة من أحدث الصناعات المستدامة والمتجددة.
ومن جانبه قال رضا السنجابي، رئيس مجلس إدارة شركة مارى مارين للخدمات البحرية وبناء السفن – دبى واستشارى ترسانة جوانزو الصينية، أن صناعة التخريد تعد فى الأصل نشاطا تجاريا، يتطلب مرونة فى بيع وتصدير مخرجات التخريد من معادن وآلات، ولا يمكنها أن تنمو من خلال القطاع الحكومي، بسبب استمرار البيروقراطية فى التنفيذ.
وطالب «السنجابى» بإتاحة الفرص للقطاع الخاص كاملا فى تلك الصناعة شريطة أن تكون لديه الخبرة فى الاستفادة من حديد السفن وإعادة تصنيعه، مشيرًا إلى أن ما يتم من تفكيه من السفن فى مصر حاليا لا يعد صناعة تخريد مقارنة ما يجرى تركيا والهند.
وقال «السنجابى» إن تلك الصناعة البحرية تتطلب استثمارات كبيرة، خاصة أن تخلق حركة تجارية داخل الدولة بسبب إعادة تصدير مخرجات تلك السفن من معادن وغيرها إلى الخارج، مما يحقق عائدًا كبيرًا من العملات الصعبة، مشيرًا إلى أنها تحتاج دعمًا من الحكومة ومنح الحوافز والتسهيلات للمستثمرين بجانب ضرورة إنشاء منطقة حرة للخردة لامتلاك مصر مقومات تلك الصناعة.
كشف تقرير أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية –الأونكتاد- فى وقت سابق، أن عام 2022 شهدت صناعة إعادة تدوير السفن تراجعًا بنسبة %11 مقارنة بعام 2021 الذى شهد استحواذ بنجلاديش وباكستان والهند وتركيا على %96 من تلك الصناعة.
ولفت «الأونكتاد» فى تقريره، إلى أنه تم تخريد 15.3 ألف سفينة خلال عام 2022 مقارنة بتخريد 17.2 ألف سفينة عام 2021، مرجعا ذلك الانخفاض إلى القيود المفروضة بسبب تداعيات “كوفيد” والإجراءات الحكومية، مشيرا إلى أن ناقلات البترول والكيماويات والحاويات تصدرت السفن التى تم إعادة تدويرها.
ومن ناحيته، قال الربان عمرو قطايا، رئيس مجلس إدارة شركة لاند مارك للاستشارات والخدمات البحرية، إنه فى البداية لابد من توضيح أن صناعة تخريد السفن هى فى حقيقة الأمر إعادة تدوير وتفكيك للسفن، وذلك بعد انتهاء عمرها الافتراضى الذى يتراوح ما بين 25 و30 عامًا.
وأوضح أن تلك صناعة كانت تتم بطريقة عشوائية فى عدة دول على رأسها الهند وباكستان، مما أدت إلى ارتفاع معدلات التلوث البحري، وتم تطبيق الإرشادات الفنية لاتفاقية هونج كونج لعام 2002 بشأن تكسير السفن، وقد تم التصديق على اتفاقية بازل من قبل 172 دولة والتى تهدف إلى حماية صحة الإنسان والبيئة من الأخطار التى قد تنجم عن توليد النفايات الخطرة، ونقلها عبر الحدود وإدارتها.
ولفت إلى أن مصر لديها مقومات تنفيذ تلك الصناعة بدءا من موقعها على سواحل بحرية تصل إلى 3000 كيلومترات وقرب الموانئ من قناة السويس أهم ممر ملاحي، بالإضافة إلى بناء موانئ وأرصفة جديدة بجانب ارتفاع الطلب على خام الحديد بسبب تنفيذ المشروعات القومية.
وقال إن توفير مواد خام والمعدات سيوفر للصناعة المحلية التكاليف الباهظة نتيجة الاستيراد، خاصة أن الحديد يعد مادة خام لأكبر سبع مصانع حديد وصلب داخل مصر، مما سيوفر تكاليف استيراد الحديد من العملات الأجنبية.
وأضاف قطايا أن الحديد يُعد من السلع الاستراتيجية، إذ إن مصر هى الدولة الأولى فى الشرق الأوسط وأفريقيا فى تصنيع الحديد الصلب، وعند توفر صناعة التخريد سينعكس على حجم الصادرات، وتوفير العملات الأجنبية، مما سيكون له تأثير مباشر فى الاقتصاد المصري.
وأشار إلى أن إقامة تلك الصناعة فى مصر يوفر من تكاليف الرحلة البحرية للسفن بدلا من التوجه إلى الهند وباكستان للتفكيك وتخريد السفن القادمة من أوروبا وأمريكاسيتم التوجه إلى مصر.
وطالب «قطايا» الدولة بإحياء تلك الصناعة بمشاركة القطاع الخاص، بناء على دراسة بيئية وبحرية لاختيار المواقع المناسبة المتصلة بشبكات الطرق بجوار موانئ، ووفقًا للقواعد الدولية المحافظة على البيئة.