أعلن المعهد الأمريكى لبحوث السياسة الغذائية الدولية «IFPRI» أن 10 بلاد على الأقل فرضت قيودا على تصدير منتجاتها من الحبوب مثل القمح أو الأرز منذ منتصف مارس الماضى، مع تفاقم العدوى من وباء فيروس كورونا.
وتسبب الفيروس فى إثارة المخاوف بين المستهلكين الذين سيطرت عليهم حمى الشراء وتخزين الطعام لدرجة أن أرفف سلاسل السوبر ماركت باتت خالية حتى فى العديد من الدول المتقدمة، بينما اتجهت الدول الفقيرة مثل أوكرانيا المشهورة بإنتاج القمح إلى حظر تصديره، وكذلك فيتنام ثالث أكبر مصدر للأرز التى منعت تصديره.
وذكرت وكالة بلومبرج أن وباء كورونا أدى إلى انقطاع سلاسل التوريدات فى المعروض من الحبوب والمنتجات الغذائية منذ مارس الماضى، مع انتشار النزعة القومية والدعوة للاكتفاء الذاتى من الطعام؛ بسبب الكارثة الصحية التى أدت لإغلاق الحدود ووقف الرحلات الجوية بين الدول للحد من انتشار العدوى بالمرض المميت.
وقال جوزيف جلوبر، كبير الباحثين فى معهد «IFPRI» الذى يتخذ من مدينة واشنطن مقرا له، إن الطعام يسبب مشكلة خطيرة وقت الكوارث وتعتمد مناقشته على العواطف أكثر من العقل والمنطق، رغم أن مصدرى المنتجات الغذائية يتفقون على وجود وفرة من الحبوب ومواد الغذاء الرئيسية وأن النقص الذى يبدو فى بعض المناطق إنما يأتى من الاختناقات فى مراكز التوزيع بسبب الحظر وتوقف حركة الشاحنات.
وأكد يوان لونجبينج، خبير الزراعة، أن ندرة المنتجات الغذائية قد تشجع بعض الدول على تعزيز القطاع الزراعى وابتكار وسائل تساعد على زيادة إنتاجية المحاصيل والحبوب، وأن الصين قادرة تماما على تحقيق الاكتفاء الذاتى من الحبوب، لكنه يحذر الحكومات المتراخية فى تحقيق الأمن الغذائى لشعوبها من مواجهة مشكلة نقص الطعام بسبب وباء كورونا.
وأوضح تيم بينتون، مدير بحوث قسم الطوارئ بمركز أبحاث شاثام فى لندن، أن مشاكل الطعام لا تقتصر على البلاد النامية والفقيرة فقط، ولكن تعانى منها أيضا دول متقدمة وغنية مثل بريطانيا وسنغافورة وتؤدى لضغوط سياسية على قيادتها؛ لأن المال وحدة لايستطيع شراء طعام وقت الكوارث؛ بسبب عدم القدرة على الوصول إلى الأسواق،
وحذر تيم لانج، بروفيسور سياسة الغذاء بجامعة لندن سيتى فى كتابه «تغذية بريطانيا» الصادر هذا العام من أن بريطانيا تعانى من نظام مختل؛ لأنها تستورد كميات هائلة من المنتجات الزراعية التى يمكن أن تزرعها على أراضيها بسهولة، بينما أعلنت حكومة سنغافورة عن تنفيذ برنامج لزيادة منتجاتها الزراعية المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتى بحلول عام 2030.
ويتوقع رامى زريق، البروفيسور بالجامعة الأمريكية فى العاصمة اللبنانية بيروت، ظهور المزيد من النظم الغذائية الوطنية التى تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى والأمن الغذائى لشعوب بلادها، خاصة مع انتشار فكرة السيادة الغذائية التى ظهرت لأول مرة منذ حوالى 10 سنوات عندما وجدت بلاد صحراوية مثل السعودية وقطر أن دولارات البترول لا تضمن لها الحصول على الطعام مما جعلها تتجه لزراعة أراضيها بالتكنولوجيا الحديثة.
وتشجع المنظمات الدولية ومنها وكالة الأغذية والزراعة على تدفق التجارة بين الدول ضمن جهود الحد من تزايد الجوع فى العالم، وحث الدول على استخدام الوسائل الحديثة لزيادة إنتاجية المحاصيل كما فعلت رومانيا وكازاخستان، حيث تزايدت صادراتهما من المنتجات الغذائية فى السنوات الأخيرة رغم أنهما تعرضا لأزمة فى الطعام خلال بداية تسعينيات القرن الماضى.
وأعلن عريف حسين، الخبير الاقتصادى فى برنامج العذاء العالمى بمنظمة الأمم المتحدة، أنه يجب تحقيق الاكتفاء الذاتى من الطعام لتجنب التوترات العنيقة وقت الأزمات، خاصة أن كورونا سبب هذا العام اضطرابات اجتماعية وسياسية حول العالم، بسبب نقص الطعام وضياع الوظائف وحظر الحركة.
واتفق وزراء الزراعة والغذاء لدول مجموعة العشرين فى اجتماع عن بعد على أن تدابير الطوارئ لوقف انتشار الفيروس المستجد يجب ألا تعوق سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية وتضع حواجز غير ضرورية أمام التجارة بعد أن أعلنت روسيا أنها ستحظر تصدير الحبوب بسبب كورونا مما سيؤدى إلى تقلبات مفرطة فى أسعار الغذاء فى الأسواق العالمية تهدد إمدادات الغذاء.
وأكد الوزراء أهمية تجنب الفاقد والمهدر من الأغذية والناجم عن الاضطرابات على امتداد سلاسل الإمدادات الغذائية، والذى يمكن أن يؤدى إلى تفاقم مخاطر الأمن الغذائى والتغذية وخسائر اقتصادية فى ظل الظروف الصعبة الحالية الناجمة عن انتشار المرض المميت.
وجاء اجتماع مجموعة العشرين الاستثنائى فى الوقت الذى تبطئ فيه إجراءات العزل العام حول العالم سلاسل إمداد الغذاء العالمية، مما يجعل بعض المزارعين غير قادرين على توصيل منتجاتهم إلى المستهلكين، بينما تقيد دول منتجة كبرى الصادرات وتخلق حواجز غير ضرورية أمام التجارة وتعرقل سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية بما لا يتسق مع قوانين منظمة التجارة العالمية.
وحذرت المسؤولة الكبيرة بالبنك الدولى، مارى بانجستو، فى اجتماع من عوائق الاستيراد وقيود التصدير، داعية إلى تعاون عالمى لتفادى أزمة غذاء، خصوصا أن إمدادات الحبوب الرئيسية وفيرة عالميا برغم أن بعض الدول المنتجة تشير إلى أنها ستضع قيودا على مبيعاتها الخارجية لإعطاء الأولوية للإمداد المحلى، كما تسعى كبرى الدول المستوردة للغذاء إلى تعزيز احتياطياتها من خلال زيادة المشتريات من الخارج.
وقالت روسيا، أكبر مصدّر للقمح فى العالم، الأسبوع الماضى، إنها ستوقف صادرات الحبوب حتى أول يوليو القادم، فور استنفاد حصة للتصدير حددتها عند سبعة ملايين طن، وهو شيء من المرجح الآن أن يحدث فى منتصف مايو، وإذا استنفدت حصة روسيا بحلول ذلك الموعد، فإن ذلك قد يعوق مشتريات بعض الدول لزيادة مخزوناتها.
وأثرت إجراءات العزل العام بشدة على بعض المزارعين مع توقف الطلب من المطاعم والمدارس وغيرها، لدرجة أنه بات التخلص من المحاصيل أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية من دفع أموال للعمال والنقل لبيعها برغم أن دول الخليج مثلا تعتمد على واردات الغذاء لتلبية ما بين %80 و%90 من طلبها المحلى.
وأدى وباء كورونا إلى ارتفاع سعر شحنات القمح الروسى بنسبة بروتين %12.5 تحميل موانئ البحر الأسود لأقرب موعد تسليم بحوالى 6 دولارات ليصل إلى 231 دولارا للطن تسليم ظهر السفينة (فوب) فى منتصف الشهر الجارى وزاد سعر الشعير 3 دولارات ليسجل 180 دولارا للطن.
ومن ناحية أخرى، قالت وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية، إن الحكومة تبحث إنشاء مخازن استراتيجية عملاقة للسلع الأساسية بما فى ذلك القمح فى سبع محافظات بتكلفة تصل إلى 21 مليار جنيه مصرى (1.3 مليار دولار).
وأعلن وزير التموين على المصيلحى، أن هذه المخازن يمكن أن تعزز مخزون مصر من السلع الأساسية كاللحوم والدواجن والقمح لتغطية ثمانية إلى تسعة أشهر، مقارنة بالمستويات الحالية التى تغطى أربعة إلى ستة أشهر، وتعمل الوزارة على تنفيذ تعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسى لزيادة المخزون الاستراتيجى.
ودعا الرئيس السيسى إلى زيادة المخزونات فى مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم، وذلك بعد تفشى فيروس كورونا، الأمر الذى دفع المصيلحى إلى الإعلان عن استيراد القمح فى وقت الحصاد المحلى، وهى خطوة غير معتادة واشترى هذا الشهر 240 ألف طن من القمح فى أحدث مناقصة عالمية يطرحها مع اتجاهه لزيادة المخزونات فى ظل أزمة الفيروس.
وقررت رومانيا رفع جميع القيود على تصدير القمح والمنتجات الغذائية الأخرى بالنسبة للدول من خارج الاتحاد الأوروبى، التى كانت قد فرضتها فى العاشر من أبريل الحالى عندما حظرت الحكومة تصدير القمح والشعير والشوفان وقمح الطحين ومنتجات غذائية أخرى إلى دول بخلاف الاتحاد الأوروبى لضمان الإمدادات المحلية خلال الجائحة.
وأكد أدريان أوروس، وزير زراعة رومانيا، أكبر مصدرى الحبوب للشرق الأوسط لوكالة رويترز، أن عقود تصدير القمح المبرمة قبل العاشر من أبريل موعد بدء سريان مرسوم عسكرى يحظر واردات الحبوب لخارج الاتحاد الأوروبى، لن تتوقف.
وحذرت مارى بانجستو، المديرة التنفيذية بالبنك الدولى لسياسة التنمية، من أن الدول الأكثر فقرا فى العالم تواجه تهديدا لأمنها الغذائى، إضافة إلى سوء التغذية بسبب أزمة كورونا وهبوط فى إيرادات النقد الأجنبى وقيود على التصدير وانهيار سلاسل الإمداد، ودعت إلى تعاون عالمى لتفادى أزمات غذائية وتطبيق إجراءات منسقة ويمثل الدول وتوفير تمويلات إضافية لتعزيز الإنتاج الزراعى لكبح مخاطر انعدام الأمن الغذائى وسوء التغذية.
ويهدد البلاد الفقيرة أيضا بجانب وباء كورونا الذى أثار أعمق ركود منذ عقد الثلاثينات فى القرن الماضى غزو الجراد هذا العام، والذى يعد الأسوأ من عشرات السنين والذى يدمر ملايين الهكتارات من المحاصيل فى إفريقيا، والشرق الأوسط وجنوب آسيا.
وأعلن البنك الدولى أن أسراب الجراد غزت 23 دولة، ودمرت مساحات واسعة من المحاصيل الغذائية فى القرن الإفريقى حيث يعانى أكثر من 24 مليون شخص بالفعل انعداما للأمن الغذائى، ويوجد 12 مليون شخص مشردين داخل دولهم، كما تقدر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن 821 مليون شخص، أو حوالى %11 من سكان العالم، لا يجدون تغذية كافية وهو أعلى معدل منذ عام 2011.
وقالت بانجستو إن البنك الدولى سيوفر 160 مليار دولار لمواجهة تداعيات كورونا على مدار الخمسة عشر شهرا المقبلة، ويتعاون مع الدول وشركاء دوليين لمراقبة إمدادات الغذاء وتأثير فقدان الدخل على قدرة الناس على شراء الغذاء.
و%80 من القوة العاملة فى بعض الدول الأكثر فقراً عبارة عن أفراد منتجين ومستهلكين معا فى قطاعى الزراعة والغذاء، مما يبرز الحاجة إلى إعطاء أولوية للإمدادات الغذائية حتى لا تتكرر كارثة الأزمة المالية العالمية فى 2008 عندما تسببت قيود التجارة فى تضخيم الأسعار العالمية للغذاء وسقوط 130 إلى 135 مليون شخص آخرين تحت خط الفقر، خصوصا فى الدول الأكثر تهميشا.