لا تزال الغايات العليا للمشروع الصهيونى رغم شيوع مفاهيم التسوية، على نفس جموحاتها «الأسطورية»، إلا أنها باتت أبعد من أن تطولها قدرات الذراع العسكرية الإسرائيلية.. التى ثبت منذ 1973 عن ذى قبل إمكان التغلب عليها إذا تمسّك جيرانها بأسباب العلم، وتعبئة كل مقوماتهم للدفاع القومى الشامل، وفى حال الحفاظ على مستوى عال من التنسيق مع الحليف الدولى، إذ عندئذ تصبح إسرائيل أعجز عن بلوغ أهدافها التوسعية، بالقوة، إلا حال استبدالها- القوة- بتطويع عقول جيرانها بالـ Power Of Negotiationمن خلال بدائل دبلوماسية (لولبية) لا تستقيم إلا سرعان ما تتعرج من جديد، وبدعم من انحياز أميركى شبه مطلق، ما يمثل مضيعة للوقت يصب لصالحهما، وتفاقم الأعباء السياسية للأطراف المعنية، بما فيها إسرائيل التى تتزايد تعقيداتها كلما تشابكت قنواتها الدبلوماسية المتناظرة على الأصعدة العربية والإقليمية والدولية، إضافة لما تعكسه من ارتباكات أيديولوجية فى داخل إسرائيل، ناهيك عن تبِعات الطموحات الصهيونية- بالسلب- على نفوذ وهيبة الولايات المتحدة داخل الإقليم، لفرط الانحياز الأميركى لأهدافها التى سبق ووصفها وزير الخارجية الأميركى الأسبق فى التسعينيات «جيمس بيكر» بـ»اللاواقعية»، بحيث لم يبق من منفذ لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة، لموازنة نفوذ «اللوبى اليهودي»، سوى المزيد من الضغط على دول الجوار الإسرائيلى من العرب للقبول بمفاهيم دبلوماسية لتسويات مطروحة من جانبهما، الأمر الذى وإنْ يلق أحيانًا آذانًا مصغية من القمم العربية، إلا أن صداها أقرب إلى العدم عند الجذور، ما يخلف بالضرورة بذور نزعات إستراتيجية متجددة.. لا تفضى إلى غير سلام هشّ وبارد، ما يدفع قوى عربية، والأمر كذلك، إلى اللجوء لبناء علاقات إقليمية ودولية يمكن الاعتماد على منافستها للولايات المتحدة لكسر احتكارها لمقاليد الحرب والسلام فى المنطقة، ما أتاح لروسيا على سبيل المثال العودة إليها بعد نحو أبعة عقود من سابق طرد نفوذها من مصر منتصف السبعينيات، ولتصبح منذ العام 2015 حقيقة عسكرية وسياسية ثابتة شرق البحر المتوسط، حيث تتواجد قواتها- مع إيران- على الحدود الشمالية لإسرائيل مع سوريا، ما يضاعف من أعباء الدبلوماسية الإسرائيلية لضرورة معالجة وجهات النظر مع الطارئ الدولى الجديد على حدودها، وحيث ما زالت قضية مرتفعات الجولان السورية المحتلة- معلقة- كمسألة فنية ترتبط تسويتها من عدمه بتسوية كل من جغرافية الحالة اللبنانية وأيديولوجية الحالة الفلسطينية، خاصة من بعد تعديل الموقف الأميركى منهما فى ظل إدارة «بايدن 2021»، ذلك فيما تقف إيران من ناحية أخرى فى مواجهة إسرائيل، سواء من حيث ثبوت تحالفهما التاريخى أو نظرًا للاختلاف المتغير بينهما حول المسألة النووية.. التى تتجه المجموعة الدولية 5+1 للعودة إلى التفاوض مع إيران بشأنها، ما يخلق خلافات شديدة إزاءها داخل الحكومة الإسرائيلية، وبين قيادات الأجهزة العسكرية والأمنية حول سبل التعاطى معها، ذلك فيما الانتخابات الإسرائيلية الرابعة فى غضون عامين، على الأبواب، ما يشى بمستجدّات فعلية بالنسبة لعملية السلام العالقة مع الفلسطينيين منذ نحو ربع قرن، خاصة مع تسابق الأحزاب الإسرائيلية على اختلاف أيديولوجياتها لمحاولة كسب الأصوات الانتخابية العربية، إلى جانبها، إذ ليس أدل عما سبق من تطورات على الصعيد السياسى داخل إسرائيل، وخارجها، سوى اصطدام الدبلوماسية المراوغة الإسرائيلية، من بعد استنفاد سبل استخدام الذراع العسكرية الطويلة، بطريق مسدود
شريف عطية
7:49 ص, الأحد, 7 مارس 21
End of current post