جائزة الشرق الأوسط المعلقة ما بين القوى العظمى

جائزة الشرق الأوسط المعلقة ما بين القوى العظمى
شريف عطية

شريف عطية

7:40 ص, الأحد, 9 أغسطس 20

جائزة الشرق الأوسط المعلقة ما بين القوى العظمى منذ سياسات القرن 16، دانت منطقة الشرق الأوسط فى مجملها لرايات الامبراطورية العثمانية، فيما عرفت بـ«المسألة الشرقية»، بالتوازى مع التنافس حولها بين كل من بريطانيا وفرنسا طوال القرن 18 قبل أن يتوافقا مطلع القرن التالى (فاشودا) على الخلاص من «رجل أوروبا المريض»، بحسب وصف «القيصر نيقولا» 1905 للدولة العثمانية فى حديثه إلى أحد السفراء الغربيين، قبل هزيمتها فى الحرب العظمى، لتتقاسم الامبراطوريتان الغربيتان المنطقة- تحت انتدابهما- (اتفاقية سايكس- بيكو 1916)، طوال الفترة ما بين الحربين العالميتين، اللتين تنتهى ثانيتهما بصعود كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى إلى صدارة النظام العالمى، بديلاً عن الثنائية الأوروبية (لندن – باريس) اللتين وإن خرجتا من الحرب منتصرتين.. إلا وتجر أذيال الخيبة، والفشل من مستعمراتهما فى الشرق الأوسط وأفريقيا.. التى أصبحت نهباً بديلا للصراع الأميركى – السوفيتى، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً، طوال الحرب الباردة حتى انفراد الأحادية الأميركية مطلع تسعينيات القرن الماضى بقيادة النظام الدولى – لنحو عقدين تاليين- قبل أن تستنهض روسيا «المنفتحة» انتقاداتها الحادة للسياسة الأميركية خلال مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبى فبراير 2007، فيما عبر عن العودة مجدداً إلى استئناف الحرب الباردة بينهما، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط التى سبق أن جرى طرد النفوذ الروسى قبل نحو أربعة عقود، إلا أن الولايات المتحدة بادرت بتطبيق مشروعها عن الشرق الأوسط الجديد و«الموسع» من خلال ما جرى تسميته بعدئذ بالربيع العربى 2011، بحيث كان عرّابها تركيا (حزب العدالة والتنمية 2002) .. الفرع التركى لجماعة «الإخوان» الذى قفز إلى الحكم بعد عام من انفجارات نيويورك واشنطن سبتمبر 2001، ليمثل فيما اعتبرته الإدارات الأميركية (رمزاً للاعتدال) كحائط صد للإسلام الراديكالى، ومن خلال توظيف طموحات أنقرة لإحياء ما يسمى «العثمانية الجديدة» بدءاً من تونس وليبيا غرب البحر المتوسط، إلى مصر وسوريا شرق المتوسط، إلا أن روسيا لم تظل ساكنة، إذ عادت بقوة إلى جانب مصر صيف 2013 (منظومة 2+2 بين وزيرى الخارجية والدفاع للبلدين)، وإلى دخول القوات الروسية سوريا سبتمبر 2015، وإلى مساعدة الجيش الوطنى شرق ليبيا، فيما أصبحت فى خندق واحد مع إيران على الحدود الشمالية لإسرائيل، وحائط صد- بالدبلوماسية والحرب- فى مواجهة التوسعات التركية فى سوريا وليبيا، ولتصبح القضايا الساخنة فى الشرق الأوسط سجالاً بين موسكو وواشنطن، ما بين التصادم أو التوافق بشأنها، إذ تجنبا الاصطدام مايو 2013 خلال الأزمة السورية «الكيماوية»، كما اعتبرت واشنطن دخول القوات الروسية سوريا مدعاة لاستتباب الاستقرار فى هذا الوطن الممزق، فيما اتجهت الإدارة الأميركية منتصف 2015 إلى الموافقة على الاتفاق الدولى النووى مع إيران (حليف موسكو وبكين)، فى الوقت الذى طالب الرئيس أوباما «عرب الخليج» فى 2016، «باقتسام النفوذ مع إيران»، ذلك قبل أن تنكص الإدارة الجمهورية التالية عن الاتفاق النووى، وإلى استئناف العقوبات المشددة على طهران و(موسكو)، فيما بدأت حرب تجارية وسيكولوجية مع بكين، فيما تبدو وكأنها أعطت الضوء الأخضر لتركيا بالتدخل العسكرى فى ليبيا 2020، إلا أنها تواجه الخروقات التركية فى المناطق الكردية فى سوريا والعراق، أما عن روسيا فقد أصبحت حقيقة سياسية وعسكرية ثابتة فى شرق وغرب البحر المتوسط، ما يؤهلها لممارسة دور مستقبلى فى التسوية العربية – الإسرائيلية، وفى المقاربة بين إيران ودول الخليج، ربما فى إطار توافقى مع الولايات المتحدة لعدم حصول أى منهما بمكتسبات استراتيجية على حساب الآخر فى هذه المنطقة الحساسة من العالم، إلا أن ذلك لا يحول بين تواجه استراتيجياتهما الدفاعية، النووية والتقليدية والقيمية، استمراراً لعدائهما القديم – الجديد فى مختلف أقاليم العالم، ما قد يدعو الرئيس الأميركى مؤخراً لمحاولات التحول من العداء الصريح لموسكو إلى السعى نحو استمالتها إلى جانب واشنطن، خاصة فى حربها السياسية والتجارية مع الصين، الأمر الذى دعا إليه وزير الخارجية الأميركى مطلع يوليو 2020، بشأن إنشاء تحالف جديد ضد بكين «لا يستبعد انضمام روسيا إليه»، ربما على غرار الشرخ الذى أحدثته أميركا بين العاصمتين الأيديولوجيتين وتدمير علاقتهما فى السبعينيات، وإن كان من المستبعد أن تنساق موسكو، رغم شكوكها الخاصة تجاه بكين، إلى تخريب علاقاتها الاستراتيجية مع الصين، الأبقى من وجهة نظر روسيا عن العلاقة غير المستقرة مع الولايات المتحدة، لكن هذا التحول غير مستبعد تماماً، لأسباب عديدة، ما قد يدعو الصين للتخلى عن دبلوماسيتها الهادئة فى الشرق الأوسط، ولتدعم من ثم مواقفها التحالفية إلى جانب أصدقائها فى المنطقة، وأفريقيا، الأمر الذى سوف تترتب عليه تحولات جوهرية فى مصير جائزة الشرق الأوسط المعلقة منذ عقود ما بين القوى العظمى