تناولت ندوة بعنوان “وسائل تحسين أجور الصحفيين وتصحيح أوضاعهم المالية” ضمن اليوم الأول لأعمال المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين نتائج استبيان المؤتمر العام السادس حول أوضاع المهنة، والذي ركز في المقام الأول على الأجور ثم التشريعات ثم حرية الصحافة.
وأشارت الكاتبة الصحفية أميمة كمال في تقديمها للندوة إلى أن تراجع حرية الصحافة أدى لمحتوى صحفي هزيل ومن ثم إلى تراجع التوزيع، لافتةً إلى أن ٥١٪ من الصحفيين المشاركين في الاستبيان أشاروا إلى أن مؤسساتهم لا توجد بها لوائح مالية للأجور، و٧٪ يحصلون على راتب أقل من ألف جنيه، و٧٢٪ لا يحصلون على الحد الأدنى للأجور وهو ٦ آلاف جنيه.
من جهتها قالت سلمى حسين الصحفية والباحثة الاقتصادية إنه في دولة مثل إنجلترا بها صحافة حرة وراسخة ونقابات صحفية مهمة نجد أن متوسط الأجر الذي يحصل عليه الصحفي يصل إلى ٣٠ ألف إسترليني في ٢٠٢٣.
وأشارت حسين إلى أنه في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي دولة غير معروفة كثيرًا بالحريات النقابية بلغ متوسط الأجر السنوي للصحفيين حوالي ٥٧ ونصف ألف دولار في العام، قائلة إنه إذا قارنا ذلك ليس بسعر الصرف فقط ولكن بالقدرة الشرائية فهذا الأجر يعادل ٤٢٠ ألف جنيه سنويا.
وفي المقابل لفتت حسين إلى أنه وفقا للاستقصاء يحصل ٦٠٪ من الصحفيين على أقل من الحد الأدنى للأجور، ومن خلال فحص ١٦ وظيفة معروضة في الصحافة المصرية بلغ متوسط الأجور المعروضة ٥ آلاف جنيه شهريا.
وذكرت حسين أن الصحفي ليس عامل بناء، فلديه نوع تعليم وثقافة أعلى، ومتطلبات هذه الوظيفة تتطلب حدًا أدنى للأجر أكثر من ذلك، لافتةً إلى أن دراسات منظمة العمل الدولية أثبتت أن الصحفي الذي يعمل من المنزل يتحمل تكاليف تشغيل، فضلا عن أن عمله لساعات إضافية لا يؤمن له الحصول على الأجر المضاعف الذي يكفله القانون، كما أنه ليست لديه آلية تعوضه عن غلاء المعيشة، والبطالة وإصابات العمل، ولا طريقة لتعويضه عن المخاطر التي يواجهها.
وأشارت حسين إلى أن بدل التدريب والتكنولوجيا الذي نحصل عليه من الموازنة العامة يغطي جزءًا من الدخل لكنه لا يحل المشكلة بشكل كامل، مضيفة أنه لابد عند وضع آليات تحديد الأجور من وضع هيكل عادل للأجور، واحتساب الأجر المعيشي وتحديثه باستمرار بما يوافق تطور احتياجات الصحفي لضمان حياة مستقرة.
واكدت أن في عام ٢٠٢٣ حددت الدولة حدا أدنى للأجور ٦٠٠٠ جنيه، والقيمة للحد الادنى للاجر الذي تحدد اولا في عام ٢٠١٣ وكان ١٢٠٠ جنيه اصبح يوازي حاليا وبعد التعويم الأخير ٦٢٤٠ جنيها.
ونوهت حسين بأن كلا من القطاع الخاص والعام للصحافة يعتبرون البدل جزءا من الحد الأدنى للأجر، ومن جهته وافق المجلس القومي للأجور على ذلك دون نقاش مجتمعي، وقالت الصحف الخاصة إنها تخسر وبالتالي يحق لها التملص من تطبيق الحد الادنى للأجور.
ولفتت حسين النظر إلى تمكن صحفيي هيئة الاذاعة البريطانية البي بي سي من انتزاع حقهم في تطبيق هيكل للأجور بعد معركة ليصبح الفارق بين أقل وأعلى ستة أضعاف باستثناء نجوم الصحافة والاعلام.
وأوضحت حسين أيضا أنه لابد من الالتفات إلى ما حددته الدراسات بشأن خط الفقر وخط الجوع ضمن معايير احتساب الأجر؛ فخط الفقر لأسرة من اربع أفراد ٧١٨٠ جنيه محدثة بأسعار التضخم لهذا العام قبل التعويم، ولا يمكن أن يحصل صحفي في منتصف حياته المهنية على الحد الأدنى للفقر.
كما ذكرت حسين أن خط الجوع لأسرة من اربعة افراد من اربع سنوات بلغ ٢٢٠٠ جنيه، ووصل الآن إلى ٥٦٠٠ جنيه، وليس من المقبول أن يحصل صحفي على أجر يوازي أقل من خط الجوع للأسرة.
وعن كيفية نمول أجور الصحفيين قالت حسين إنه من لا يملك المال اللازم لتوظيف صحفيين بأجور لائقة فلابد أن يغلق جريدته ولا يعرض من يعملون لديه للاستغلال، مشيرة إلى أنه لا يمكن أن نتحدث عن الأجور في الوقت الذي تقدم المؤسسات الصحفية منتجا غير جيد وسلعة رديئة لا يتقبلها الجمهور حتى لو مجانا.
ودعت حسين إلى التفكير في التمويل للصحافة من مال الشعب لكونها منفعة عامة، مشيرة إلى أن هناك نماذج كثيرة لتمويل الصحف ليس كناطق رسمي ولكن كخدمة عامة للمجتمع، وأنه يمكن تمويل الصحافة من حصيلة الضرائب شريطة أن تكون حرة ومستقلة.
وقال محمد نجم مدير تحرير مجلة أكتوبر إن هناك تشابكا بين الحرية والإدارة، وإن الصحافة منتج مثل الثقافة والفن وللأسف هذا المنتج ضعيف جدا لاسباب كثيرة.
وأضاف نجم أن رواتب الصحفيين كانت في فترة من الفترات من الأعلى في المجتمع ولكن الوضع تدنى جدا الآن نظرا إلى التوسع الكبير في النشر وإطلاق المؤسسات الصحفية مع سوء الإدارة.
وذكر نجم أنه في المؤسسات الصحفية القومية تسير الأمور إلى حد ما، وفي الحزبية بين بين ولكن في الصحف الخاصة تظهر المعاناة الشديدة.. وتابع أنه إذا كانت الدولة تريد الزيادة فعليها ان تبدأ بنفسها، وأن تقدم الصحف القومية الحد الادنى للأجور.
وأعرب نجم عن اعتقاده بأنه لا مجال لزيادة الأجور إلا من خلال بدل التدريب والتكنولوجيا الذي تقدمه النقابة لأنه إذا رفعت الدولة الأجور فسيكون ذلك للقومي فقط.. لافتًا إلى لا توجد مجلة أسبوعية تبيع اكثر من الف نسخة، فيما تقدم الصحف منتجا لا يجد القارئ نفسه فيه واستبدله بالهاتف.
من جهته، أكد محمد خراجة عضو مجلس نقابة الصحفيين اهمية الصحافة باعتبارها هي التي تؤرخ للمجتمع.. مُشددًا على أنه هناك اختلال للأجور في المجتمع، فخلال الشهر الماضي زادت رواتب العاملين بقطاع البترول بنسبة ١٥٪ وزادت أجور قطاع البنوك بنسبة ٢٠٪.
وقال خراجة “لابد أن تنظر لنا الدولة وأن تحصل النقابة على عائد توزعه على جميع الصحفيين دون تفرقة”.. مضيفا أنه وفقا إلى الاستطلاع فإن أهم قضيتين هما الأجور والحريات وهما متلازمين معا، وأنه عند وجود مناخ الحرية يؤدي ذلك إلى زيادة توزيع الصحف كما كان يحدث من قبل.
واشار خراجة إلى أن ٥١٪ من الحصة الحاكمة في الجمعية العمومية هم في مؤسسات لا توجد لديها لوائح مالية، وأن ٦٠٪ من الصحفيين لا يحصلون على مرتبات وتعتمد صحفهم على البدل.
واختتم بقوله إن الصحفي مهزوم في دخله من الجانب الاقتصادي، والدولة تتعمد الضغط عليه من خلال هذا الجانب، بحسب قوله. مشيرا إلى ان على الدولة النظر لأجور الصحفيين لإخراج منتج جيد.
من جهته قال يحيى قلاش نقيب الصحفيين الأسبق إن آخر لائحة أجور أصدرتها النقابة كانت عام ٧٦ ومن بعدها لم تصدر اي لائحة اخرى.
وأضاف قلاش إن الحد الأدنى الذي حددته الدولة للعمال لم يصل اليه الصحفيون حتى الآن، بينما الصورة الذهنية القائمة لدى المسئولين هي أن الصحفيين يتقاضون اموالاً كثيرة، ومن هنا لابد أن تصل الصورة الذهنية لكل المسئولين حوّل وضع الصحفيين.
وشدد قلاش على أنه لابد من آلية تنفيذية لتنفيذ لائحة الأجور، ومن تكليف مجلس النقابة لتشكيل لجنة من المهتمين بالموضوع لإعداد لائحة يتم التفاوض بشأنها مع كل الجهات المعنية بهذا الملف لأن من لا يملك قوت يومه لا يملك قلمه، ودخول الصحفيين بلغت الخط الأحمر من حيث تدنيها وخطورة ذلك.