ليس من غير الطبيعى.. لدولة الإمارات، كثالث حكومة عربية بعد مصر والأردن- أن تعلن عزمها تطبيع العلاقات مع إسرائيل فى 13 أغسطس الحالى من بعدحرب 1948، لعلها لا تلدغ من نفس جحر سابق مماطلات الدولة العبرية لعدم المضى فى التزاماتها بإنهاء الاحتلال، لمرة ليست أخيرة.. ربما مع السعودية التى قد تكون التالية للإمارات فى اتباع خطاها إعلان التطبيع مع إسرائيل، التى لم يسبق لها أن صدقت فى استكمال تعهداتها.. سواء مع مصر 1979 (الإطار الثانى لاتفاقيات كامب دافيد)، أو مع الأردن والفلسطينيين (اتفاق «أوسلو» و«وادى عربة» منتصف التسعينيات)، إذ هكذا هى عقلية وتفكير المرابى «شايلوك» منذ القرون الوسطى فى رائعة «شكسبير» تاجر البندقية، حين تُمنّى الخصم بالغيب قبل أن تقضم المزيد من حقوقه، ما يجعل المتشككين فى منهجية الاتفاقات مع إسرائيل يحذرون من تبعات إعلانها المشترك مع الإمارات، لإهدار مرجعية مبادرة السلام للقمة العربية 2002، كما تحذر كل من تركيا وإيران، لأسبابهما، انحيازاً أميركياً غير عادل مع إسرائيل، حيث تدينان- مع «حماس»- الاتفاق.. رغم تأييد ثلاثتهم للعلاقات بين قطر وإسرائيل.
إلى ذلك، وفى سياق تجميل دولة الإمارات دوافعها فى الشذوذ عن الإجماع العربى لرفض التطبيع مع إسرائيل، فإنها تعلن أن اتفاقها المزمع، إنما هو مقابل تعهد إسرائيل بعدم ضم أراض فلسطينية إليها، لكن سرعان ما ينفى ذلك السفير الأميركى فى إسرائيل فى اليوم التالى لإعلان الاتفاق بالقول- حسب الصياغة- «تعليق مؤقت لم يصرف النظر عنه نهائياً»، إلا أن المهرولين للتطبيع كلّ لأسبابه، سرعان ما أداروا ماكيناتهم الإعلامية، ليس للتحذير من خطر النكوص الإسرائيلى المعتاد عن تعهداتها، بل للقول إن الاتفاق الإماراتى مع إسرائيل.. لن يكون على حساب العرب والفلسطينيين، إنما لصالحهم، خاصة حال التصدى للمشروعين التوسعيين لكل من إيران وتركيا، وكأن النوايا التوسعية للمشروع الصهيونى لا تقل خطراً عن مشاريع الجارات الإقليميات الأخرى غير العربيات، إلا ربما بتحييد العرب للصهاينة ظرفيا وبشكل مؤقت إلى حين التخلص من أطماع كل من طهران وأنقرة، اللتين سرعان ما تبنّتا رفض الاتفاق الإماراتى – الإسرائيلى من باب المزايدة.. رغم ضلوعهما التآمرى مع قطر السبّاقة عن دول مجلس التعاون الخليجى تطبيعاً (غير رسمى) مع إسرائيل.
إلى ذلك، وقد سبق السيف العزل فى مسيرة التطبيع الخليجى مع إسرائيل، بدءاً من الإمارات، وبتأييد من البحرين وعُمان، فمن المرجح أن تتبعها السعودية، التى تعود اتصالاتها السرية مع إسرائيل – بأقله- إلى عقد الثمانينيات فإن من واجب الخليجيين اشتراط التدقيق عند صياغة مفردات بنود الاتفاقيات المزمع توقيعها مع إسرائيل، ليس قبل أسابيع مع الإمارات فى واشنطن، لما يحفظ للمسألة الفلسطينية (قضية العرب المركزية) حقوقها فى «حل الدولتين» على أرض الواقع، لا فى الخيال الذى تبرع إسرائيل فى تطويعه لتفسيراتها فى معاهداتها مع العرب، كسباً للمزيد من القوة والوقت لتحقيق غاياتها العليا، خاصة أنه من الممكن القون بأن الأوضاع الداخلية فى كل من واشنطن وتل أبيب (انتخابيا).. ربما تكون فى صالح دولة الإمارات عند توقيع الصياغة النهائية لاتفاقها مع إسرائيل، ما قد يسمح لأبوظبى فى ظل تراجع قوى اليمين الأميركى والإسرائيلى عند خوضهما معارك انتخابية تبدو قريبة، التمسك بما يرعى المصلحة القومية العربية دون أن تجردها قوى الشر من أرديتها، وحتى لا تخرج الحقوق العربية مجدداً من الجحر الإسرائيلى.. «عارية».