لا يفرط الكثيرون فى التفاؤل، فيما يتعلق بقدرة مؤتمر اليورومنى- الذى تبدأ جلساته بالقاهرة بعد غد الثلاثاء- على أن ينجح فى استدراج الحكومة إلى تقديم بعض الهدايا القيمة- ولا نقول الثمينة- إلى المستثمرين، سواء كانوا من الأجانب أو المصريين.
فهى- الحكومة- كما يبدو من ناحية منشغلة وأعضاؤها، بالاستعداد لخوض غمار المؤتمر العام للحزب الوطنى، والذى من المنتظر أن ينعقد قبل نهاية الشهر الجارى.. كما أنهم- أعضاؤها- من حقهم أن ينتابهم بعض القلق- أو بعبارة أصح الكثير من القلق- فى ظل اشاعات التغيير، التى باتت تتردد بتواتر، تزداد حدته يوماً بعد يوم، بنفس حدة تدهور الأوضاع، وعجز الحكومة عن مواجهة العديد من المشكلات الجوهرية، التى لا غنى عن حلها، لعودة العجلة للدوران مرة أخرى.
وفى مثل هذه الظروف يبدو منطقياً- ليس فى كل بلاد المعمورة ولكن فى مصر على وجه التحديد- أن تقفز الحكومة على الواقع الشائك، بكل معضلاته وفى مقدمتها معضلة عدم استقرار سعر صرف الدولار اللعين فى زحفه الدؤوب إلى الأمام، وبدلاً من أن تلتفت إلى فك طلاسم هذا اللغز- الذى حولته هى بنفسها إليه بتصريحاتها المتناقضة- إذ بها تتجاهله، وتعرض على المستثمرين عشرات المشروعات التى تتكلف مليارات الجنيهات.
أكثر من هذا.. إنها تطلب منهم ذلك، دون أن تسعى ولو حتى إلى مجرد تجميل مثل هذه الوجبة عسيرة الهضم ببعض «المتبلات»، مثل إجراء بعض التيسيرات الضريبية أو منح حوافز جديدة، ولن نقول بممارسة سلوك جذرى دراماتيكى، بتخليها هى عن الاحتفاظ بالدولار فى محاولة لضبط سعره، باستخدام عمليات السوق المفتوح، فى إطار إجراءات مشددة، لتحجيم الطلب النقدى عليه، بما قد يشجع هؤلاء المستثمرين- وغيرهم من المدخرين الذين يتجهون إلى اكتناز الدولار حالياً- على تغيير نمط سلوكهم، وتحولهم بدورهم إلى التخلى عنه.
والغريب أننا نعرف وهى- الحكومة- تعرف وهم- المستثمرون- يعرفون، أن هذا العرض المسرحى، المتضمن لعشرات المشروعات والمليارات، لا فائدة من ورائه فى ظل هذه الظروف، ولكننا- ويا للعجب- مجبرون- ولو بحكم هلاوس خداع النفس- على توهم التصديق، بل والتصفيق فى نهاية العرض المعروفة نهايته قبل حتى أن يبدأ.
فلا يوجد مستثمر واحد عاقل بالغ رشيد، على استعداد أن يقدم على استثمار جنيه واحد فى مشروع- مهما كان عائده- فى ظل اعتقاده- إلى حد اليقين- بأنه سيخسر قدراً ليس يسيراً منه، ربما قبل وضع حجر الأساس للمشروع، وذلك بفعل التوجه الهبوطى المستمر لهذا الجنيه أمام الدولار على مدار السنوات الماضية رغم تصريحات الحكومة- وهذه الحكومة تحديداً- الوردية.
ومع ذلك، فالجميع على صفحات الجرائد يتحدثون عن ضرورة الاستثمار، ويهتفون بوطنية الامتناع عن اكتناز الدولار، وينددون بجشع هؤلاء الأشرار الذين يرفعون أسعار السلع والخدمات.. ومع ذلك فإنهم يزاولون على أرض الواقع- بما فيهم الحكومة- سلوكاً عكسياً، يستتبعه تحقق ما يشجبونه من نتائج.
وتواطؤاً منى مع هذا السلوك المتناقض، وبالرغم من إشاراتى اللحوحة المستمرة لزملائى بالجريدة إلى ضعف وتهافت الموضوع الصحفى الذى ينهيه صاحبه بطرح أسئلة أو سؤال، لأنه يعنى ببساطة عجزه عن الإجابة عنها أو عنه.. أجد نفسى مسحوقاً أمام رغبتى فى الانتهاء بسؤال «مسرحي» بدورى وهو: هل تفلح الحكومة فى أن تقدم فى مؤتمر اليورومنى ما يفتح شهية المستثمرين مرة أخري؟
واعترف أن هذه الحالة من الانسحاق تنتابنى عادة حين أعرف مقدماً إجابة السؤال.. ولكن ماذا استطيع تجاه ما تفرضه على طبيعتى الرومانسية الحالمة من تمنٍٍ ؟
حازم شريف
9:34 ص, الأحد, 14 سبتمبر 03
حازم شريف
9:34 ص, الأحد, 14 سبتمبر 03
End of current post