أقبلت لبنانيات على العمل كخادمات محل الأجنبيات، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والمالية، وارتفاع الأسعار، وتدني الأوضاع المعيشية.
مع ساعات الصباح تقصد الفتاة ليلى أبو عمر (21 عاما) منزل جارتها في الحي الغربي من مدينة النبطية بجنوب لبنان لتعمل يوميا لمدة 6 ساعات كمساعدة منزلية.
وترددت ليلى كثيرا قبل أن تقدم على هذه الخطوة التي لم تكن واردة في حساباتها يوما.
وقالت لوكالة أنباء (شينخوا) بينما كانت تحاول حبس دموعها “رغما عني أعمل في مهنة غير مناسبة لي”.
اشتداد الأزمة الاقتصادية
وأضافت أن “اشتداد الأزمة الاقتصادية والمالية وارتفاع الأسعار الجنوني وإقفال آلاف الشركات والمؤسسات وانحدار أمورنا المعيشية دفعني لهذا الخيار”.
وأوضحت ليلى أن وظيفة المساعدة المنزلية كانت حتى الأمس القريب تقتصر على الفتيات الأجنبيات.
وقالت جهينة عليان (24عاما) التي تعمل في مجال توفير فرص العمل للفتيات والسيدات اللواتي يرغبن في العمل كمساعدات منزليات أن فرص العمل في المنازل لمواطنات لبنانيات كمساعدات منزليات توفرت بعدما تخلى الكثير من المساعدات الأجنبيات بسبب تقاضيهن لأجورهن بالدولار الأمريكي الذي بلغ سعر صرفه مقابل الليرة اللبنانية مستويات قياسية.
تراجع الليرة اللبنانية
وقالت عليان الحائزة على إجازة في العلوم الاجتماعية لوكالة أنباء (شينخوا) أن راتب المساعدة المنزلية الشهري يتراوح بين 200 و250 دولارا أمريكيا ما يعادل نحو مليوني ليرة لبنانية بعد بلوغ سعر صرف الدولار إلى حدود 8 آلاف ليرة في السوق السوداء.
وأدى هذا الارتفاع إضافة إلى عجز المواطن اللبناني عن تأمين الدولار الأمريكي في المصارف بالسعر الرسمي المحدد بـ 1515 ليرة لبنانية إلى قيام الكثير بإنهاء عقود عمل المساعدات المنزليات الأجنبيات.
تجاوز جميع الحواجز النفسية
من جهتها، قالت الفتاة الثلاثينية جميلة الصغير لوكالة أنباء (شينخوا) أنها تعمل مساعدة منزلية في مدينة “مرجعيون” بجنوب لبنان وأنها “تجاوزت كل الحواجز النفسية والاجتماعية من أجل لقمة العيش الحلال لعائلتي”.
وأضافت “أعمل 5 أيام أسبوعيا كمساعدة منزلية وقد اعتدت على هذا النمط من العمل، علما أني توجهت إليه بعدما ضاقت بنا سبل الحياة”.
وقالت “في ظل الأزمة الاقتصادية وتفشي فيروس كورونا، طرد زوجي من عمله في مصنع للحلويات بعدما كان يتقاضى مليون ليرة كراتب شهري”.
وتابعت “أمام صعوبة الوضع الاقتصادي والغلاء المتفلت في أسعار مختلف السلع لم يعد أمامي سوى العمل في المنازل لتأمين جانب من متطلبات عائلتي المؤلفة من 5 أفراد”.
من جهتها قالت سليمة راشد وهي أم لخمسة أطفال أن زوجها طرد من عمله في محل للألبسة الرجالية، حيث كان يتقاضى مليون و200 ألف ليرة لبنانية.
وقالت لوكالة أنباء (شينخوا) “أجيد العمل في المنازل وأمضي 6 ساعات يوميا في تنظيف وترتيب المطابخ والغرف وفي غسل الثياب وجلي الصحون والأواني مقابل 7 آلاف ليرة لبنانية لكل ساعة عمل”.
العمل متوفر بكثرة
وأشارت إلى أن “العمل متوفر بكثرة وأجد نفسي عاجزة على تلبية كل الزبائن ذلك أن الطلب على المساعدات اللبنانيات يفوق العرض”.
أما فاطمة فحص والتي تقطن في شقة عند المدخل الشرقي لبلدة “كفررمان” بجنوب لبنان فقالت لوكالة أنباء (شينخوا) “لقد تخليت كما الكثير عن المساعدة المنزلية الأجنبية بعد تفاقم الأزمة الحياتية وفقدان الدولار من السوق وارتفاعه الجنوني”.
وأضافت “لقد استسلمت إلى الواقع المعيشي الجديد، حيث بات راتب زوجي العامل في شركة بناء يساوي 250 دولارا أمريكيا بفقدان حوالي 70 في المئة من قيمته تبعا لهبوط قيمة العملة الوطنية”.
وقالت “تعاونني مساعدة منزلية 3 مرات في الأسبوع بأجر لا يتعدى 100 الف ليرة لبنانية وهو مبلغ مقبول في ظل الظروف التي يمر بها البلد”.
وأشارت إلى أن “التخلي عن المساعدة المنزلية الأجنبية خطوة لا بد منها مع تفاقم الوضع المعيشي”.
وقف استقدام العاملات الأجنبيات
ووسط هذا الوضع اضطرت العديد من مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات في المساعدة المنزلية إلى إقفال أبوابها، وما بقي يعمل منها تدنت أعماله إلى مستويات لم تشهدها من قبل.
وقال لوكالة أنباء (شينخوا) مدير أحد مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات في المساعدة المنزلية في مدينة مرجعيون زياد سريوي إن “الطلب تقلص بنسبة 90 في المئة على العاملات ولم يعد بمقدورنا سداد بدل ايجار المكتب و مرتبات العاملين فيه”.
وأضاف “ما حصل كان ضربة قاسية وقاتلة لهذا القطاع ، والاستغناء عن المساعدة المنزلية الأجنبية جاء لصالح اللبنانيات والنازحات السوريات اللواتي دخلن بقوة للعمل في هذا المجال” .
وكان عدد العاملات المنزليات في لبنان قد وصل إلى نحو 200 ألف تقريبا بحسب وزارة العمل وغالبيتهن من التابعية الأثيوبية والفلبينية والبنغالية ودول أفريقية أخرى وتقدر تحويلاتهن السنوية إلى بلادهم بنحو 400 مليون دولار أمريكي.
انهيار العملة الوطنية
ويواجه أزمات متعددة ومتشابكة اقتصادية ومالية ومعيشية أدت إلى تزايد الفقر والبطالة والتضخم المالي وانهيار العملة الوطنية.
وترافق ذلك مع ارتفاع الإصابات بمرض (كوفيد-19) وكارثة انفجار مرفأ بيروت الذي أوقع 191 ضحية و 6 آلاف و500 جريح وأضرار مادية ضخمة قدرت بنحو 15 مليار دولار أمريكي.
يشار إلى أن هذه المقالة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة “المال”.