صندوق النقد العربى: ضعف النشاط الاقتصادى العالمى يؤثر على الطلب الخارجى

توقع نمو اقتصادات الدول العربية بنحو 2.5% عام 2019 و 3.0% عام 2020

صندوق النقد العربى: ضعف النشاط الاقتصادى العالمى يؤثر على الطلب الخارجى
سيد بدر

سيد بدر

2:28 م, الأحد, 15 سبتمبر 19

قال صندوق النقد العربي ، إن المؤسسات الدولية خفضت تقديراتها لمعدل نمو الاقتصاد العالمى المتوقع خلال عام 2019 ، فى ظل ضعف مستويات النشاط الاقتصادي العالمى، والتجارة الدولية انعكاساً لحالة عدم اليقين التي خلفتها التوترات التجارية المتصاعدة ما بين أكبر قوتين اقتصاديتين على مستوى العالم -الولايات المتحدة الأمريكية والصين- وتزايد وتيرة الحمائية التجارية، وهو ما أثر على أنشطة التصنيع والاستثمار والتجارة الدولية.

في المقابل، من المتوقع حدوث تحسن نسبي للنشاط الاقتصادي العالمي عام 2020 بافتراض التوصل إلى اتفاقات مُرضية بشأن النزاعات التجارية القائمة والعودة إلى مسارات تحرير التجارة في إطار النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف.

وذكر صندوق النقد العربى في تقرير آفاق الاقتصاد العربي إصدار سبتمبر 2019، أن الاقتصاد العالمي لا يزال يواجه عدة مخاطر يأتي على رأسها تأثير التوترات التجارية على مسارات النمو الاقتصادي العالمي والتجارة الدولية، وتصاعد مستويات المديونيات وتأثيراتها السلبية المتوقعة على موازنات الأسر والشركات، علاوة على الأثر المتوقع لتباطؤ الاقتصاد الصينى، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون التوصل إلى اتفاق، والشكوك بشأن قدرة الاقتصادات العالمية على بلوغ أهداف التنمية المستدامة 2030.

بناءً على حالة الاقتصاد العالمي الراهنة وما يستتبعها من تباطؤ لمستويات الطلب الخارجي، توقع تقرير آفاق الاقتصاد العربى أن يبلغ معدل نمو الدول العربية نحو 2.5% في عام 2019 مقابل نحو 2.1% للنمو المُسجل عام 2018.

يأتي ذلك انعكاساً لخفض تقديرات النمو الاقتصادي في كل من الدول العربية المُصدرة للنفط والمستوردة له كنتيجة لتباطؤ الطلب الخارجي وتأثيراته المتوقعة على الصادرات النفطية وغير النفطية.

وفي المقابل، تم الإبقاء على توقعات النمو الاقتصادي للدول العربية خلال عام 2020 عند مستوى يدور حول 3.0% في ظل التعافي النسبي المتوقع للاقتصاد العالمي، وتواصل الآثار الإيجابية لبرامج الإصلاح الاقتصادي، وإصلاحات السياسات الاقتصادية الكلية، والإصلاحات الهيكلية التي تنفذها الدول العربية لدعم الاستقرار الاقتصادي وحفز النشاط الاقتصادي.

وفيما يتعلق باتجاهات تطور المستوى العام للأسعار، توقع صندوق النقد العربى أن تتأثر معدلات التضخم خلال عامي 2019 و 2020 بعدة عوامل على المستويين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي، يتوقع تأثر معدل التضخم بسلسلة الإصلاحات المالية والمبادرات والتدابير التعويضية المُتبعة لتخفيف أثرها على المستهلكين.

وعلى مستوى العوامل الخارجية، فيتمثل أهم تلك العوامل في كل من التغيرات المتوقعة للأسعار العالمية للنفط، والمواد الخام، والسلع الاستراتيجية، إضافة إلى التغيرات في أسعار الصرف. في ضوء التطورات سالفة الذكر، يتوقع أن يتراجع معدل التضخم في الدول العربية إلى حوالى 6.7% خلال عام 2019، ونحو 6.5% في عام 2020.

جهود التنويع الاقتصادى وبرامج الإصلاح تدعم أداء الاقتصادات العربية

وأشار التقرير إلى الإصلاحات التي تتبناها البلدان العربية منذ سنوات مضت لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وخلق المزيد من فرص العمل، وزيادة مستويات التنويع الاقتصادي، وتعزيز إنتاجية وتنافسية اقتصاداتها بما استتبعه ذلك من تكثيف وتيرة التدابير الرامية إلى تحقيق الانضباط المالي، وزيادة مستويات مرونة الاقتصادات العربية، وبناء حيز السياسات بهدف تقوية وضع هذه الاقتصادات مقابل التقلبات الاقتصادية الداخلية والخارجية. في ضوء ما سبق، يتمثل أبرز الأولويات على صعيد السياسات فيما يلي:

زيادة مستويات التنويع الاقتصادى

تبنت الدول العربية خلال العقود الماضية مجموعة من الإصلاحات التي تستهدف تنويع الهياكل الاقتصادية والإنتاجية بما ساعد على تحقيق الدول العربية كمجموعة لتقدم نسبي على صعيد تنويع هياكل الإنتاج ، حيث انخفضت على أثرها مساهمة قطاع النفط والصناعات الاستراتيجية لتتراوح بين 20 و40% من الناتج خلال العقود الخمسة الأخيرة.

بيد أن تلك الدول لا زال يتعين عليها تكثيف الجهود الرامية إلى تنويع هياكل الاقتصادات الوطنية وزيادة مساهمة القطاعات الاقتصادية الأخرى، لاسيما قطاع الصناعة التحويلية الذي لا تزال مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي محدودة عند مستوى 10.4% ذلك مقارنة بنحو 22% للمتوسط المُسجل في الدول النامية والأسواق الناشئة، ونحو 16% للمتوسط العالمي.

التحول نحو اقتصاد المعرفة

في خضم التطورات التي يشهدها العالم حالياً في إطار الثورة الصناعية الرابعة تبدو الحاجة ملحة إلى تحول الاقتصادات العربية إلى اقتصاد المعرفة، حيث لا تزال مساهمة الدول العربية محدودة في هذا المجال.

التحول الرقمى وتعزيز رأس المال البشرى وخفض معدلات البطالة أبرز الأولويات المستقبلية

يوفر التحول نحو اقتصاد المعرفة فرصا كبيرة لتعزيز النمو الاقتصادي وخلق المزيد من فرص العمل للشباب في الدول العربية سواءً إذا تعلق الأمر بالقطاعات التقليدية مثل قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات التي يمكنها الاستفادة من التطور التقني المتسارع لدعم الإنتاجية والتنافسية، أو فيما يرتبط بالقطاعات التي ترتبط بالتقنيات الحديثة التي برزت في إطار الثورة الصناعية الرابعة مثل قطاعات الذكاء الصناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الكبيرة، والتقنيات المالية، وتخزين الطاقة وغيرها من التقنيات الأخرى التي بإمكانها دفع معدل نمو الدول العربية بشكل ملموس.

دعم رأس المال البشرى

يعد التفاوت في رأس المال البشري عبر البلدان – إلى جانب رأس المال العيني ونمو السكان – مسؤولاً بشكل كبير عن تفسير التباينات في مستوى النمو الاقتصادي.

في هذا الصدد، تواجه البلدان العربية تحديات تتعلق بتعزيز رأس المال البشري حسب ما يظهره المؤشر الجديد لقياس رأس المال البشري وهو ما يتطلب إيلاء المزيد من الاهتمام بدعم رأس المال البشري الصادر مؤخراً عن البنك الدولي، من خلال دعم قطاعات التعليم والصحة والتدريب والبحث العلمي وتشجيع التميز.

خفض معدلات البطالة

لا يزال تحدى خفض معدلات البطالة يأتي على رأس التحديات الاقتصادية التي تواجه الدول العربية ، حيث يُمثل معدل البطالة في الدول العربية البالغ نحو 10% وفق بيانات البنك الدولي ضعف معدّل البطالة المسجل في العالم. تتركز البطالة في الدول العربية بين أوساط الشباب والإناث والمتعلمين والداخلين الجدد إلى أسواق العمل.

يستلزم خفض معدلات البطالة مجموعة من السياسات الهادفة إلى إحداث تحول شامل في هياكل الاقتصادات العربية، وزيادة مستويات ديناميكية أسواق العمل، وتقوية دور القطاع الخاص، علاوة على مبادرات وسياسات لدعم التكامل الإقليمي والعالمي.

الاهتمام بإصلاحات الاقتصاد الجزئى بهدف زيادة الإنتاجية والتنافسية

تحتاج الدول العربية إلى المزيد من الاهتمام بإصلاحات الاقتصاد الجزئي التي تشمل كل السياسات التي تستهدف تقليل التشوهات الاقتصادية وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد الاقتصادية.

وفي هذا الإطار، تواجه أسواق العمل والمنتجات في عدد من الدول العربية تحديات نظراً إلى الحاجة إلى زيادة مستويات مرونة هذه الأسواق بهدف رفع الكفاءة الاقتصادية وزيادة مستويات الإنتاجية والتنافسية.

تقوية السياسات لرفع مرونة الاقتصادات العربية

يلاحظ التأثير القوي للتداعيات في البيئة الاقتصادية الدولية على مسارات النمو في الدول العربية، وهو ما يُستدل عليه من ارتفاع قيمة معامل الارتباط بين معدلي نمو الاقتصادات العربية والاقتصاد العالمي إلى نحو 0.84 خلال العقدين الماضيين.

إن تعزيز مستويات مرونة الاقتصادات العربية تجاه التقلبات الاقتصادية يستدعي إضافة إلى زيادة مستويات التنويع الاقتصادي، توجيه المزيد من الاهتمام بتقوية حيز السياسات بما يشمله ذلك من سياسات لتحقيق الانضباط المالي وضمان الاستدامة المالية، وزيادة مستويات مرونة نظم أسعار الصرف واستهداف التضخم في بعض البلدان وتعزيز مستويات الاحتياطيات الخارجية التي شهدت تراجعاً في بعض الدول في الآونة الأخيرة.

دعم جهود التكامل الإقليمى

خطت البلدان العربية خطوات مهمة على صعيد تحقيق التكامل الاقتصادي منذ إطلاق منطقة التجارة الحرة العربية التي تستهدف زيادة مستويات التجارة البينية السلعية وإزالة الحواجز التعريفية وغير التعريفية للوصول إلى الاتحاد الجمركي العربي الذي سيستتبعه التفاوض للوصول إلى السوق العربية المشتركة كدرجة أعمق من درجات التكامل الاقتصادي العربي.

حرصت البلدان العربية مؤخراً على إدماج التجارة في الخدمات ضمن مفاوضات تحرير التجارة البينية إدراكاً من الدول العربية للأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع المهم، وخطوة نحو تعميق مستوى التكامل الاقتصادي العربي في ظل مساهمة قطاع الخدمات بنحو 48% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 54% من مستويات التشغيل.

توجت هذه الجهود بإقرار الاتفاقية العربية لتحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية كاتفاقية مستقلة عن منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ خلال النصف الثاني من عام 2019.

ومن شأن تفعيل العمل بهذه الاتفاقية زيادة مستويات التجارة البينية للدول العربية إلى المستويات المماثلة في التكتلات الاقتصادية الدولية الأخرى، ودعم فرص النمو والتشغيل.

كما يتطلب دعم التكامل الإقليمي أيضاً جهودا موازية لتحفبز الاستثمارات وانتقالات رؤوس الأموال العربية البينية.