في ندوه نظمتها المال للإجابة عن السؤال الصعب : ما العمل ؟: إنقاذ الاقتصاد ينتظر حسم معركة تكسير العظام بين السلطة والثوار

الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء يتعامل مع الملف الاقتصادى برؤية فيها الكثير من الرتابة والغموض

في ندوه نظمتها المال للإجابة عن السؤال الصعب : ما العمل ؟: إنقاذ الاقتصاد ينتظر حسم معركة تكسير العظام بين السلطة والثوار
حازم شريف

حازم شريف

2:00 م, الأحد, 24 فبراير 13

المشاركون:

علاء سبع : رئيس بنك الاستثمار بلتون فاينانشيال

هانى سرى الدين   : رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الدستور والرئيس الأسبق لهيئة سوق المال

هشام الخازندار :  الشريك المؤسس و العضو المنتدب لمجموعة القلعة للاستشارات المالية

أكرم تيناوى :  الرئيس التنفيذي لبنك  المؤسسة المصرفية العربية

وائل زيادة : رئيس قسم البحوث ببنك الاستثمار هيرمس

من المال:

أحمد رضوان

أعدها للنشر وأعد المحاور: ياسمين منير ورضوى إبراهيم

تصوير: محمد عبده

أدار الندوة: حازم شريف

من الصعب أن تواجه ثورة شعبية بإجراءات اقتصادية اعتيادية لكن هذا ما سلكه القائمون على إدارة الاقتصاد المصرى منذ انطلاق شرارة انتفاضة المصريين فى 25 يناير 2011.

حتى الآن، مازالت الحكومة الحالية التى يقودها الدكتور هشام قنديل، رئيس الوزراء، المنتقد دائماً من دوائر مختلفة ، تتعامل مع الملف الاقتصادى برؤية فيها الكثير من الرتابة والغموض كغالبية الحكومات التى مرت على مصر بعد الثورة، لكن اللحظات الصعبة التى يمر بها الاقتصاد حالياً ربما تفرض على الحكومة اتباع سياسات حاسمة من شأنها تقليل الإنفاق العام والحد من نزيف الاحتياطى الأجنبى ومواجهة التضخم المنفلت .

ليس سراً أن قدرة الدولة على تمويل الواردات وتحديداً الوقود والسلع الأساسية تتراجع يوماً بعد يوم، فى ظل نضوب عدد من مصادر النقد الأجنبى المهمة، وليس سراً أيضاً أن الأوضاع الأمنية فى البلاد تفرض الكثير من الشكوك حول قدرة استعادة بعض هذه المصادر لبريقها، وفى مقدمتها قطاع السياحة شديد الحساسية، ولكن ما زال هناك أمل .

على مائدة «المال » اجتمع عدد من أبرز خبراء الاقتصاد والاستثمار وسوق المال والقطاع المصرفى، فى ندوة استهدفت من أولها إلى آخرها الوصول إلى إجابة شديدة الصعوبة على سؤال قد يبدو بسيطاً .. ما العمل فى هذا الوقت الحرج؟

فى إطار السؤال السابق عشرات المحاور المهمة التى كان من الضرورى التطرق إليها، بداية من توصيف الوضع الحالى، مروراً بسرد أسباب الوصول إلى هذا الوضع، وصولاً إلى تقييم قدرة الإدارة الحالية للدولة على الخروج من هذه الأزمة بأقل خسائر ممكنة، وانتهاء برصد الحلول .

بصورة عامة، كشفت الندوة عن شبه اتفاق بين الحضور على أن الحل ا لسياسى والأمنى، يجب أن يسبق أى حلول اقتصادية أو يسير على الأقل بالتوازى معها، ظهر أيضاً شبه اتفاق على أن ما تمر به البلاد الآن، هو حرب تكسير عظام بين السلطة والمعارضة، فى ظل صعوبة التوافق بينهما، كما رأى البعض أن الإدارة الحالية للبلاد لا تتمتع بالكفاءة اللازمة، وأنه عاجلاً أم آجلاً لا بديل عن تغيير هذه الادارة .

الحلول الاقتصادية التالية لما هو سياسى وأمنى، انحصرت فى تطبيق برنامج إصلاح شامل، يتمتع بالشفافية والجرأة ولا يتجاهل العدالة الاجتماعية، لكنه تحت أى وضع لن يخرج عن حلول مطروحة حالياً على الساحة، فى مقدمتها ترشيد الدعم وتحديداً الموجه للطاقة، والاقتراض الخارجى، وعدم فرض إجراءات استثنائية، إلى جانب التعامل بعناية شديدة مع ملف الإصلاح الضريبى، إضافة إلى ضبط التشريعات الاقتصادية، والتصالح العادل مع رجال الأعمال .. وإلى تفاصيل الندوة .

● «المال »: تستهدف الندوة رصد الواقع الاقتصادى الحالى، وعلاقته المتشابكة بالوضع السياسى الحرج فى البلاد، بهدف الوصول لاقتراحات عملية يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وبالتالى يجب أن نبدأ بالتعرف على المؤشرات الكلية للاقتصاد المصرى حاليًا، وطبيعة مشكلاته .

زيادة : للوقوف بدقة على أبعاد الوضع الاقتصادى المصرى لابد من إجراء مقارنة مبسطة بين المشكلات التى كان يعانى منها الاقتصاد المحلى قبل ثورة 25 يناير، وما امتد منها لما بعد الثورة، والمشكلات التى تفاقمت، بالإضافة إلى المشكلات الجديدة التى طرأت على الساحة الاقتصادية بعد الثورة .

وأعتقد أن المشكلة الرئيسية التى كان يعانى منها الاقتصاد المحلى قبل الثورة – وما زال – تتمثل فى العجز الهيكلى الضخم فى الموازنة العامة للدولة .

ويعد هذا العجز من التحديات الكبرى، التى واجهت جميع صناع القرار، خلال الفترات السابقة، فقد تركزت كل المحاولات فى السابق على تحجيم هذا العجز على صعيد جميع مصادر الدخل، مع تناقص الآليات النقدية المتاحة للحكومة لسد عجز الموازنة «Maneuverability».

وبالطبع هناك تدهور شديد فى ميزان المدفوعات، خصوصًا فى الاحتياطى من النقد الأجنبى، إثر توقف 3 عناصر رئيسية للدخل، هى السياحة التى فقدت كثيرًا من عائداتها حتى الآن، وأعتقد أن الأرقام الرسمية لا تعبر بشكل كاف وصريح عن التراجع الفعلى لعائدات القطاع السياحى، إلى جانب تراجع الاستثمار الأجنبى المباشر، بالإضافة إلى خروج الاستثمارات المالية «Capital out Flue» ، ونشاط حركة «الدولرة » ما انعكس تلقائيًا على تراجع رصيد الاحتياطى من النقد الأجنبى .

يضاف إلى ذلك أيضًا البطالة، وهى من المشكلات الاقتصادية الضخمة، سواء فى السنوات السابقة للثورة، أو اللاحقة لها، فنجد أن معدلات البطالة بدأت تزيد بشكل مستمر يومًا بعد يوم، كما تعانى مصر عجزًا فى موارد الطاقة .

وأما أكثر المشكلات التى أثقلت الميزان التجارى خلال الفترة الأخيرة، فهى زيادة الطلب على البتروكيماويات، ومشتقات البترول «Oil related inputs» ، حيث تضاعف رصيد واردات المواد البترولية، ليرتفع من 5 مليارات دولار، خلال العام المالى 2010/2009 ، إلى حوالى 13 مليار دولار حاليًا، وذلك نتيجة عدة عوامل، منها ارتفاع أسعار المواد الخام، والتهريب، كما تمت إضافة عدة جيجا وات فى استهلاك الكهرباء، فضلاً عن تحول مصر لأول مرة لمستورد للغاز الطبيعى بعد أن كنا من الدول المصدرة له .

وفى هذا الإطار فإن مشكلاتنا هى المشكلات نفسها التى مرت بها دول مثل تشيلى أو تركيا قبل حصول الأخيرة على قرض كبير من صندوق النقد الدولى «IMF» نهاية التسعينيات، فنحن اليوم نعانى مشكلات مالية عامة تغذي جميعها دائرة التضخم الحالية .. إذاً فالمشكلات الرئيسية التى يواجهها الاقتصاد المصرى حاليًا تتلخص فى مشكلة عجز الموازنة والحاجة الملحة لإعادة هيكلة الدعم للمحافظة على موارد الدولة، والحلول تتلخص فى العمل على جذب استثمارات جديدة والحفاظ على القائمة ومواجهة البطالة وزيادة الإنتاجية عبر تقنين أوضاع المستثمرين والخروج من الدائرة المفرغة، التى خلقت تلقائيًا مناخًا غير جاذب للاستثمارات على الإطلاق .

وأعتقد أن الحلول التى نحاول إيجادها حاليًا ستحتاج فى المقابل إلى قدر كبير من التوافق السياسى، لمواجهة حالة الاستقطاب الحادة التى نعيشها خلال المرحلة الراهنة .

●  «المال »: من وجهة نظر بنوك الاستثمار .. ما رؤيتك للوضع الاقتصادى للبلاد فى ضوء المؤشرات الكلية والمشكلات الحالية؟

سبع : أنا متوافق تمامًا مع الطرح التحليلى للمشكلات الاقتصادية التى تعانى منها مصر حاليًا، إلا أننى أعتقد دائمًا أن المشكلات أيًا كان حجمها يمكن إيجاد حل لها، فهناك حلول متاحة لعلاج العجز الهيكلى فى الموازنة العامة للدولة، كما يمكن إيجاد حلول لتدهور رصيد الاحتياطى من النقد الأجنبى، وكذلك يمكن مواجهة التوقعات الخاصة بموجة التضخم العنيفة المرتقبة، قد يكون الاختلاف فى نوعية الحل الأمثل لمواجهة هذه المشكلات إلا أنه دائمًا يمكن إيجاد الحلول .

ولكن أعتقد أن المشكلة الحقيقية والأهم التى تعانى منها مصر حاليًا، هى استمرار المضى فى الاتجاه نفسه الذى يخلق أزمات مستمرة ومتعددة، والمتمثل فى سياسة الانغلاق التى تستهدف الحد من خروج الاستثمارات الهاربة من المناخ غير الجاذب حاليًا لحماية القطاعات الاقتصادية، وهذه السياسة تؤدى إلى ترهيب الاستثمارات الجديدة، فغالبية خبراء الاقتصاد والاستثمار، يؤكدون أن مجهودات الحد من خروج الاستثمارات تؤدى عادة إلى تقليل الاستثمارات الوافدة .

وبالتالى فإن التوسع فى وضع ضوابط حمائية لبعض عناصر الاقتصاد، سيترتب عليه تفاقم الأزمة، جراء هروب الاستثمارات، مما يسهم فى طول الفترة الانتقالية التى نعانى منها حاليًا .

لذلك فأنا أفضل أن نركز على أسباب وجود المشكلات الاقتصادية بغض النظر عن طبيعة المشكلة نفسها، حتى يمكن علاجها من المنبع وعدم الوقوع فى الأزمات نفسها مرة أخرى، خصوصًا أن التدهور الحالى فى المؤشرات الاقتصادية يمثل أعراضًا للأزمة الحقيقية، وجوهرها السياسات الخاطئة لإدارة الملف الاقتصادى، التى تتبنى الانغلاق لحين انتهاء المرحلة الحرجة، فى حين أن هذا الانغلاق سيضاعف الفترة الزمنية، كما سيساهم فى تفاقم الأزمة، وليس علاجها .

●  «المال »: إذًا .. ما أبرز الإجراءات والضوابط الحمائية التى اتخذتها الحكومات المتعاقبة وتحديدًا منذ اندلاع الثورة؟

سبع : وضع حدود لأولويات الاستيراد واستبعاد العديد من السلع الكمالية، يمكن طرحه كمثال للضوابط الحمائية التى ضاعفت من حجم المشكلة الراهنة، فقد أعطت رسالة سلبية للمستثمر تعكس اتجاه الدولة لوضع قيود اقتصادية، والتوسع فى التدخل فى السياسة التجارية للعاملين فى هذا القطاع، وبالتالى نكون قد خلقنا مشكلة جديدة من العدم، خصوصًا أن حجم استيراد السلع الكمالية لا يوازى مطلقًا حجم التأثير السلبى لهذه النوعية من القرارات، على جاذبية السوق المحلية للاستثمار، فى حين أن عدم انتهاج هذه السياسات الحمائية كفيل بتفادى هذه الحلقات المفرغة من المشكلات الاقتصادية .

●  «المال »: لكن الاقتصاد المحلى يعانى من مشكلات هيكلية استمرت طوال عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، رغم التزام حكوماته بقصر القيود على حركة الأموال .. إذًا كيف يمكن تلخيص الأزمة الراهنة فى سياسات الانغلاق والضوابط الحمائية المستحدثة خلال المرحلة الانتقالية؟

سبع : بالنظر إلى معدلات الفقر حاليًا والتى تدور حول %40 سنجد أنه فى حال توافر أفضل الخبرات الاقتصادية وأفضل الكوادر المؤهلة لقيادة الحكومة مع توافر أعلى مستوى من القدرة التنفيذية، فلن نستطيع خلال 5 سنوات سوى خفض معدل الفقر بـ %25 فقط من نسبته، وبالتالى ستعانى مصر بعد هذه الفترة من وجود %30 من السكان تحت خط الفقر، مما يعنى أيضًا استمرار وجود نسبة مؤثرة من البطالة والتضخم .

لذلك فإن التقدم الاقتصادى لا يعنى بالضرورة زوال المشكلات التى نعانى منها نهائيًا، بل ستقل رغم استمرار تأثيرها على الوضع الاقتصادى ككل، إذًا الرهان الآن هو كيف تدرس المشكلات الحالية، ونعمل على تقليلها بدلاً من انتهاج سياسات خاطئة تساهم فى تعظيمها، خاصة أن مصر ستظل تعانى العديد من المشكلات الهيكلية على المدى المتوسط حتى فى حال سلك كل الطرق الصحيحة للخروج من الأزمة، فأمريكا على سبيل المثال، وقبل اندلاع الأزمة المالية العالمية، وهى تعانى من أزمة المواطنين الذين ليس لديهم مأوى «Homeless» ، رغم ازدهار اقتصادها وقوته .

●  «المال »: ماذا عن المشكلات التى تواجه سوق المال حاليًا والتى تعكس بشكل ما الوضع الاقتصادى المتأزم؟

سبع : التحليل السابق للوضع الاقتصادى ينطبق مباشرة مع ما تشهده سوق المال حاليًا، فكل الظروف المضطربة المحيطة لم تشر فى أى مرحلة لاحتمالات وجود طروحات أولية بالبورصة، إلا أنه على الصعيد الآخر فإن حجم الإجراءات التى تحتاجها الشركات لإنجاز أعمالها اليومية غير متاح .

فعلى سبيل المثال إجراءات زيادة رأس المال تتطلب الحصول على موافقة هيئة الرقابة المالية، وكذلك سيتم وضع قواعد جديدة للتحول لشهادات الإيداع الدولية الـ «GDR’s» ، فضلاً عن طول الفترة الزمنية اللازمة لاعتماد الموافقة على محاضر الجمعيات العمومية، والتى امتدت من أسبوع وأسبوعين إلى شهرين أو ثلاثة أشهر .

●  «المال »: هل فرض ضرائب على الطروحات الأولية بالبورصة أمر صائب أم سيزيد من معوقات الاستثمار محليًا؟

سبع : لا يوجد لدى مانع أو مشكلة أيديولوجية من فرض ضرائب جديدة لدعم الحصيلة الضريبية، إلا أننا يجب أن نفرض الضرائب بعد التأكد من قدرتها على زيادة الحصيلة الضريبية للدولة، وليس التسبب فى زيادة حجم التهرب الضريبى .

وبالتالى يمكن تبرير أى زيادة ضريبية إذا جاءت ضمن منظومة متكاملة، وعلى ذلك فإن الضرائب ليست مشكلة فى حد ذاتها، فى حين أن الأزمة تتجلى فى انتظار فرض ضرائب جديدة طوال الوقت، مما يشير إلى أهمية حسم هذا الملف واتخاذ الإجراءات الصائبة حتى لو بدت صادمة، فهذا أفضل من ترك المستثمرين فى حال ترقب دائم للأعباء المالية تطبيقًا لمبدأ «وقوع البلاء أفضل من انتظاره ».

●  «المال »: كيف تقيمون أداء الجهات الرقابية بسوق المال منذ اندلاع الثورة وحتى الآن؟ وما انعكاسات المشكلات الاقتصادية على أوضاع الشركات والمؤسسات العاملة بالسوق المحلية؟

سرى الدين : معظم هذه الجهات بسبب المناخ العام المضطرب أصبحت تدافع عن نفسها، بدلاً من الدفاع عن القانون أو حقوق المساهمين والمستثمرين خوفًا من الملاحقة الجنائية، ما انعكس بدوره فى سيطرة ظاهرة الأيدى المرتعشة على جميع متخذى القرار .

وعلى مستوى سوق المال والمجالات المماثلة، نجد أن الفترة الزمنية للموافقة على القرارات والتى كانت لا تتجاوز 48 ساعة أو عدة أيام، أصبحت شهور، مما يزيد من أعباء الشركات فى حال احتياجها لضخ زيادة فى رأس المال أو الحصول على اعتماد للجمعيات العمومية أو الموافقة على قروض .

وبالتالى زادت أعباء الشركات ومشكلاتها المالية لأسباب بيروقراطية بحتة خوفًا من اتخاذ قرار يضعها فى إطار المساءلة، وهذا يعد جزءًا جوهريًا من الأزمة الراهنة، ولا يتعلق بسوق المال فقط، بل بكل جهات صنع القرار فى مصر .

أيضًا رصدنا على صعيد المشكلات التى تتعرض لها الشركات العاملة بسوق المال، تفشى الاتجاه لتحويل دفة المسئولية فى اتخاذ القرار إلى جهة أخرى، فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بعدم جواز تحريك دعوى جنائية بقضايا سوق المال، إلا بعد الحصول على موافقة الهيئة، بدأنا نفاجأ بأن جميع المشكلات حتى البسيطة منها والخاصة بشركات السمسرة الصغيرة، التى بات أغلبها على حافة الإفلاس نتيجة انخفاض إيراداتها، تتم إحالتها إلى النيابة العامة لاتخاذ ما تراه .

ويشير ذلك إلى تراجع الدور الحقيقى للهيئة، وتحولها لمجرد وسيط لتحويل الدعاوى القضائية للنيابة العامة دون فحص أو تمحيص لهذه الملفات مما يزيد من أوجاع الشركات ومشكلاتها المالية والإدارية بدلاً من دعمها خلال هذه المرحلة الحرجة .

أضف إلى ذلك عدم اتخاذ قرار حاسم فى أى من المشكلات الخاصة بمنازعات الاستثمار التى تخرج عن دائرة القانون الجنائى، فأصبحت الصورة العامة أن كل المنازعات الاستثمارية فى شلل كامل، وبالتالى فإن الصورة المرسلة للجهات الاستثمارية المحلية والخارجية، تؤكد أن لا أحد يتخذ قرارات حاسمة فى مصر، لتسوية المشكلات، مما يؤدى إلى تفاقم الأزمة .

وبالنظر إلى عنصر واحد من المؤشرات الكلية للاقتصاد، نجد أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة «FDI’s» تراجع من حوالى 14 مليار دولار خلال عام 2007 ، إلى أقل من مليار دولار حاليًا، وذلك نتيجة ضعف أداء الجهات الرقابية وتجاهل حسم مشكلات المستثمرين وملفات النزاع الاستثمارية، بغض النظر عن تراجع الوضع الأمنى فى البلاد ومشكلات الاقتصاد الكلى .

أيضًا فكرة «وقوع البلاء أفضل من انتظاره » ، تنطبق على ضرورة حسم ملفات النزاعات المعلقة التى لا تزال تتأرجح بين احتمالات إحالتها إلى الجنايات أو لجهاز الكسب غير المشروع، أو غسل الأموال أو الرقابة الإدارية، مما يخلق مناخًا يضع المستثمر بشكل دائم تحت التهديد، وبالتالى يجب أن يندرج غلق ملفات الاستثمار المرتبطة بتنفيذ عقود أو اتخاذ قرارات إيجابية تحت أولويات الحكومة لتحسين مناخ الاستثمار .

●  «المال »: هل تعتقد أن المرحلة الراهنة تتطلب ضرورة تدخل رئيس الجمهورية أو المسئولين الكبار لحسم ملف تسوية المنازعات الاستثمارية؟

سرى الدين : الجميع الآن يتحدث عن التصالح وضرورة تسوية المنازعات، إلا أنه حتى هذه اللحظة لا توجد رؤية موحدة للحكومة بشأن من يجب التصالح معه وآليات هذا التصالح وفحواه .

وفى ظل غياب الرؤية والإرادة السياسية لا يوجد إطار قانونى واضح لإتمام هذه العملية، كما أن غياب توافر تفويض واضح يتمتع بدعم قانونى وسياسى، يعوق إمكانية تسوية جزء من هذه النزاعات، بعيدًا عن الجهات الرقابية والنيابة العامة، وبعيدًا أيضًا عن الحوار المجتمعى، والشفافية فى اتخاذ القرار .

ويتعين على الحكومة أن توضح صراحة رؤيتها حول من يجب التصالح معهم وماهية النزاعات المؤهلة لإجراء التصالح وأهداف هذا الإجراء على الصعيد السياسى والاقتصادى والاجتماعى، مع التأكيد على توافر الإرادة السياسية لتنفيذه، ودون توافر هذه العناصر مجتمعة نكون فى حالة «عك سياسى » ، فوجود الرؤية السياسية يستدعى وجود إطار قانونى وآخر مؤسسى ومنهجى لحل هذه المشكلات .

●  «المال »: ترددت أنباء مؤخرًا عن توسط حسن مالك رئيس جمعية «تواصل » للتصالح مع رجال الأعمال المصريين خارج مصر فى بعض الملفات .. ما صدى هذه المبادرات وقدرتها على حسم النزاعات المعلقة؟

سرى الدين : ينتج عن الوضع المتخبط الراهن وجود أطراف متعددة داخل الغرف المغلقة تدعم التصالح مع شخص ما مقابل رفض للأطراف الأخرى، أو توسط طرف آخر خارج دائرة التفاوض أو من السلطة التنفيذية لدعم التصالح، وكلها مساع حميدة لكنها تفتقر إلى الإطار المؤسسى وجهة اتخاذ القرار، مما يترك إدارة الملف للأساليب العشوائية الواضحة التى لا تثمر عن شيء فى نهاية الأمر .

الخازندار : بعد مبادرة حسن مالك للتوسط مع رجال الأعمال بالخارج للتأكيد على نية النظام الحالى لحل المشكلات، وجدنا أن بعض الملفات التى تم إغلاقها سابقًا مع بعض رجال الأعمال فتحت مرة أخرى، بما يشير إلى أن هناك تخبطًا واضحًا فى الأداء أو أن هناك أجندة محددة لا تزال غير واضحة للجميع .

●  «المال »: ألا تعتقد أن هذا التخبط الراهن نتيجة مباشرة لحالة صراع المصالح الذى يمتد إلى ما هو أبعد من الصراع السياسى الحالى؟

الخازندار : هذا الرأى كان يمكن تقبله فى حال استمرار النائب العام السابق فى مباشرة مهامه، لكن الآن تغير النائب العام، وتم تعيين نائب آخر من قبل رئيس الجمهورية، مما ينفى وجود أجندة خاصة للنائب العام، والسؤال الآن، كيف يمكن تفسير تصرفات النائب العام، فيما يتعلق بالملفات التى بدأ فحصها والملفات التى لم تفتح بعد، فى ظل تضاربها مع السياسات المعلنة من قبل جهات ومسئولين آخرين يمثلون الرئاسة أو الحكومة، فداخل الجهاز الحكومى والرئاسة يوجد تخبط واضح جدًا ولا أعتقد أنه مقصود، بل يعكس حالة الضعف المؤسسى التى تعانى منها مصر حاليًا .

●  «المال »: على صعيد القطاع المصرفى .. ما انعكاسات الوضع الاقتصادى المرتبك على أداء البنوك خلال المرحلة الراهنة؟

تيناوى : برغم كل شيء القطاع المصرفى هو الوحيد الذى استطاع المحافظة على تماسكه منذ اندلاع الثورة وحتى الآن، فى ظل عدم توقف القطاع عن منح التمويل اللازم لمختلف الجهات، رغم التراجع التدريجى لرصيد الاحتياطى من النقد الأجنبى والذى يتناقص باستمرار على مدار العامين السابقين من 36 مليار دولار إلى نحو 13 ٫ 6 مليار دولار حاليًا، وظاهرة الأيدى المرتعشة لم تطل البنوك فى مصر، فى حين أن المشكلة التى واجهتنا تكمن فى عدم توافر استثمارات جادة لضخ التمويل، والدليل على ذلك أن أغلب البنوك لم تغير سياساتها الائتمانية منذ منتصف 2011 حتى الآن، كما أن البنوك التابعة لبنوك عالمية لم تصلها تعليمات بإعادة النظر فى السياسات المصرفية لمواجهة ارتفاع المخاطر الناتج عن تراجع التصنيف الائتمانى للسوق المحلية .

فى حين أن الركود الاقتصادى أثر سلبًا على الاستثمار وحاجته للتمويل المصرفى، وانعكس أيضًا فى بطء حركة استخدام القروض التى تم منحها سواء لمؤسسات كبيرة أو لشرائح الشركات المتوسطة والصغيرة، والتى تراجعت من 70 – %80 إلى حوالى 20 – %30 فقط، الأمر الذى يعبر بوضوح عن الوضع الحالى للاقتصاد .

وأعتقد أن المرحلة المقبلة ستكون أصعب بكثير، نظرًا لصعوبة إدارة الاحتياطى الحالى بالبنك المركزى، فنحن كانت لدينا رفاهية القيام بثورة فى ظل توافر احتياطى يدور حول 36 مليار دولار، فى حين أننا اليوم نواجه مخاطر الثورة، مع عدم وجود رؤية واضحة لآليات الخروج من الأزمة أو توافر سياسة اقتصادية مستقرة، كل هذا بالتزامن مع تراجع الاحتياطى إلى 13.6 مليار دولار فقط .

●  «المال »: فى ظل عدم توافر الرفاهية الاقتصادية التى تسمح باندلاع ثورة جديدة، ما هو أفضل بالنسبة لك كمصرفى من منظور طويل الأجل : أن تستقر الأوضاع على ما هى عليه الآن بعد تولى رئيس جمهورية ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار سيطرة الجماعة على مفاصل ومؤسسات الدولة، وإقامة نظام أكثر استبدادًا لكنه مستقر على غرار نظام «مبارك » ، أم أن تستمر الثورة ونصل إلى وضع دستور يعبر بشكل حقيقى عن كل فئات المجتمع واحتياجاتها، ومن ثم نقضى على دوافع غضب القوى السياسية، وأسباب الاحتجاجات الشعبية؟

تيناوى : لا يمكن الاختيار بين البديلين بشكل حاسم، فالمشكلة ليست فقط فى «أخونة الدولة » أو المخاوف الأخرى المتعلقة بحكم جماعة الإخوان حتى يكون قبول الأمر الواقع هو الطريق الأمثل للوصول للاستقرار، فحالة عدم الاستقرار يمكن تفسيرها فى إطار الصراع بين جماعات الإسلام السياسى، والقوى الليبرالية، والمدنية، التى يؤدى تصادمها إلى الاشتباكات، ومن ثم تفاقم أزمة الانفلات الأمنى، أو يمكن النظر إلى أبعد من ذلك فيما يتعلق بتفشى الفقر، ووصوله إلى شرائح وفئات أكبر من المجتمع خلال العامين الماضيين، مما يؤدى إلى ارتفاع معدل الجريمة بحثًا عن لقمة العيش .

وكل هذا لا يصل بنا إلى لب المشكلة، والتى تنقسم إلى شقين، الأول : يتمثل فى انعدام الرؤية، حيث يتطلب الوضع توضيح موقعنا اقتصاديًا وسياسيًا وما نهدف الوصول إليه بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية، فيما يتمثل الشق الثانى فى الأزمة الاقتصادية الراهنة، والتى تعد أهم بكثير من الصراع السياسى الدائر، فيمكن للصراع أن يمتد لعدة سنوات مقبلة، فى حين أن الأزمة الاقتصادية، من الصعب استمرارها لهذه الفترة الطويلة فى ضوء هذه المؤشرات .

ويمكن النظر إلى الاضطرابات والاعتصامات التى شهدتها البنوك العامة بعد اندلاع الثورة كدليل على الاختلاف بين الاحتجاجات الشعبية السياسية والاقتصادية، حيث إنها لم تكن لها أى علاقة بأخونة الدولة، بل للمطالبة بحقوق اقتصادية، فالحالة التى خلفتها الثورة شجعت المواطنين على المطالبة والجهر بما يرونه حقًا من حقوقهم، أو محاسبة المسئولين ومواجهتهم بأى تهم فساد بغض النظر عن الوضع الاقتصادى للمؤسسة نفسها، وهذا هو المخيف .

ومن المهم أن ندرك آليات الخروج من عنق الزجاجة، فتراجع الاحتياطى من النقد الأجنبى بات يصيبنى شخصيًا وغيرى بخوف كبير من المستقبل، نظرًا لتزايد احتمالات عدم القدرة على سداد الالتزامات وتوفير احتياجات الدولة من السلع الاستراتيجية .

والمرحلة الحالية بدأت تشهد صدور توجيهات من البنك المركزى للبنوك بقواعد إسناد الدولار للعمليات التجارية على أسس ثابتة وواضحة جدًا، ما أدى إلى منح الأولوية لقطاعات بعينها عند فتح الاعتمادات المستندية، على أن تنتقل للقطاعات الأخرى فى حال كفاية هذه القطاعات ذات الأولوية وذلك يعد امتدادًا للقيود الخاصة بتحويلات العملة الأجنبية، لكنه توججهاً صائبًا فى ظل الأزمة الراهنة .

●  «المال »: هل هذه التوجيهات بدأت تؤثر على بنوك بعينها وفقًا لحجم محفظة الاعتمادات المستندية بكل بنك؟

تيناوى : بالطبع، كما أن البنوك عادة ما تتكاتف فى دعم فتح الاعتمادات المستندية، فى حين أن البنوك حاليًا تتخبط فى توفير التمويل اللازمة لفتح الاعتماد المستندى المطلوب، لضرورة اللجوء للمزاد الذى يطرحه البنك المركزى للدولار، والذى يترتب عليه الحصول على مبلغ محدود من السيولة لا يتجاوز 3 ملايين دولار، بما يقل عن احتياجات تغطية الطلب من الاعتمادات .

وفى الوقت الحالى، هناك طابور مزدحم من طلبات الاعتمادات المستندية اللازمة لاستيراد السلع الأساسية، فكيف يمكن للبنوك أن تقسم ما توافر لديها من العملة الأجنبية على الاعتمادات، وبالتالى بدأ البنك المركزى يسمح لأول مرة بحصول العميل الذى لا يمتلك موارد من الدولار على حاجته حتى ينتقل عنصر المخاطرة إليه بدلاً من البنك نفسه، وهذا الوضع يعكس خطورة الموقف الاقتصادى المقبل .

ولكى يعود الوضع الاقتصادى لسابق عهده، يجب أن نعود إلى العناصر الرئيسية، المطلوبة للنهوض به، والمتمثلة فى استقدام الاستثمار الأجنبى، والسياح، اللذين يمكن إعادة تنشيطهما فى حال توافر 90 يومًا كاملة من الاستقرار الحقيقى، ليس فيها مظاهرات عند الاتحادية أو فى المحافظات أو اعتصامات، وإغلاق المصالح الرئيسية، حتى يمكن إرسال صورة إيجابية للعالم الخارجى، بأن الشعب جاد فى الوصول إلى الإصلاح الاقتصادى والاستقرار .

وتحديد الفترة الزمنية بـ 90 يومًا يرجع إلى نجاح التجربة السابقة بمحافظة الأقصر عام 2007 بعد الحادث الإرهابى الشهير، إلا أن الوضع الحالى قد يتطلب فترة زمنية أطول نسبيًا لضخامة الأزمة بالقياس إلى الحادث المشار إليه، وذلك فى حال وصول هذه الرسالة إلى المواطن البسيط والريفى، لأنه دون ذلك سنظل ندور فى حلقة مغلقة بغض النظر عن السياسات الاقتصادية والمتبعة .

وحل الأزمة بسهولة يكمن فقط فى تبنى رؤية اقتصادية واضحة تتم من خلال عقد مؤتمر عالمى يضم كبار خبراء الاقتصاد على مستوى العالم، إلى جانب الخبراء المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية لبلورة حلول المشكلات الاقتصادية الراهنة والعمل على حلها من خلال تصنيفها لمفات خاصة مثل الدعم والسياحة وآليات جذب الاستثمارات الخارجية، والترويج لمصر خارجيًا وهكذا عبر ورش عمل مغلقة تجمع بين هذه الخبرات، لوضع استراتيجية جادة لإدارة الاقتصاد، ومن ثم يتلخص دور الحكومة فى تنفيذ هذه الاستراتيجية كجهة تنفيذية، يتم انتقاء أعضائها على ضوء الروشتة الاقتصادية الموضوعة، ومحاسبتها وفقًا لجدول زمنى محدد .

●  «المال »: بالنسبة للاستثمار المباشر .. كيف أثرت تداعيات الوضاع الراهن على هذا النشاط .. وما مدى التوافق مع الآراء التى طرحت حتى الآن لتجسيد المشكلة الاقتصادية وآليات الخروج منها؟

الخازندار : يمكن أن نتفق على أن تشخيص الوضع الحالى من وجهات النظر المصرفية والاستثمارية وسوق المال، يؤدى بنا إلى الوصول إلى الأسباب الرئيسية للأزمة الراهنة، والتى تتمثل من وجهة نظرى فى 3 عناصر فقط، اثنان منهما مرتبطان بالثورة وتبعاتها، وهما أزمة الانفلات الأمنى، وعدم القدرة على اتخاذ القرار، والمتمثل فى ظاهرة الأيدى المرتعشة، لكنها ليست المشكلة الوحيدة فى هذا الإطار، حيث إن هناك أيضًا أزمة التخبط فى السياسات دون التعرف على أسباب ذلك .

فى حين يعبر العنصر الثالث عن الأزمة الهيكلية التى لا يمكن لوم الثورة أو المجلس العسكرى أو جماعة الإخوان المسلمين عليها، والمتمثلة فى أزمة الطاقة .

وأعتقد أننا جميعًا نرى اليوم أن المشكلات المالية المتسببة فى الأزمة الاقتصادية الحالية تكمن فى تحولنا إلى بلد شره فى استيراد الطاقة بكل أنواعها، مما يكبد الدولة حوالى 25 مليار دولار سنويًا، رغم نقص العملة الصعبة لشراء السلع البترولية ومشتقاتها، ثم يتم طرحها فى الأسواق دون مقابل تقريبًا .

وبالتالى هناك   أزمة فى توفير الطاقة المطلوبة للاستهلاك المحلى نتيجة عجز الإنتاج، مقابل عجز   بميزان المدفوعات، نتيجة شراء هذه المنتجات بـ 25 مليار دولار، ثم بيعها بما يتراوح بين 2 و 3 مليارات دولار، نتيجة نظام الدعم الحالى .

وبالنظر إلى الأزمات الثلاث «اتخاذ القرار، والأمن، والطاقة » من الناحية المالية يمكن التعرف على أسباب عدم وجود أى استثمارات جديدة، نظرًا للحاجة الأساسية عند البدء فى أى مشروع جديد، أو التوسع فى الاستثمارات القائمة، لتوفير مناخ أمنى مستقر وسرعة إنجاز إجراءات الاستثمار، علاوة على أهمية توفير الغاز والكهرباء اللازمين لتشغيل المصانع .

لكن على صعيد الحلول، اختلف مع أسلوب المعالجة الذى طرحه «التيناوى » ، كما اختلف أيضًا مع الطرح الخاص بقبول درجة من درجات القمع بغض النظر عمن يقوم به، فالمشكلات الثلاث السابق ذكرها يحتاج حلها إلى اتخاذ عدة قرارات صعبة .

فأزمة الطاقة لن تحل دون إعادة هيكلة نظام الدعم، وهذا القرار على الصعيدين السياسى والاقتصادى، من الصعب جدًا تطبيقه، دون توافر إرادة سياسية قدرة على التنفيذ .

كما أن استعادة الأمن تتطلب تنفيذ القانون على المحرضين على العنف، والتصدى للمظاهرات وهو أمر مقلق سياسيًا ومن الصعب اتخاذه وتنفيذه حاليًا، ويحتاج عنصر اتخاذ القرار، وإمكانية توفير صلاحيات للموظفين لاعتماد الأوراق والإجراءات المطلوبة، إلى تغيير المناخ جذريًا والتنازل عن الفكر الغالب، والذى يعتبر أن الجميع فاسد إلى أن يثبت العكس .

ويتطلب ذلك أيضًا أن تتبنى شخصية ذات شرعية سياسية خطابًا حاسمًا بأن الملفات القديمة تم إغلاقها، وأن النظام لا يخشى التصالح مع رجال الأعمال حتى وإن أخطأ بعضهم، إلى جانب إزالة المخاوف المتعلقة بالمساءلة القانونية التى ستلاحق كل متخذى القرار حتى وإن لم يخطئ، لكن للأسف كل هذه الحلول المطروحة تتطلب وجود الشرعية، وهى ليست متوافرة حاليًا .

كنا نعتقد أنه بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية ووضع الدستور، سيكون هناك طرف لديه هذه الشرعية السياسية الذى يستطيع بموجبها مواجهة الناس بحقيقة المشكلة الاقتصادية التى نعانى منها، وأن يبدأ فى إعادة هيكلة الدعم وزيادة الضرائب، بالتزامن مع هيكلة وزارة الداخلية، وحظر التظاهر لفترة محددة، بما يستوجب القبض على المخالفين لهذا الحظر، إلا أن القيام بذلك يجب أن يتم من خلال شخصية ذات شرعية وثقل سياسى ومصداقية، والأهم شعبية واسعة .

ولذلك فإن مشكلة مصر الحقيقية تكمن فى عدم توافر الشخصية التى تمتلك هذه العناصر، فالرئيس محمد مرسى كانت لديه الفرصة للحصول على الشرعية والثقل السياسى والمصداقية، إلا أن هذه الفرصة أهدرت إثر الطريقة التى تم التعامل بها لتمرير الدستور .

وأعتقد أيضًا أنه فى حال رحيل الرئيس محمد مرسى، وتولى أحد قيادات جبهة الإنقاذ الوطنى رئاسة البلاد، سيواجه المشاكل الراهنة نفسها، وستكون قوى المعارضة التى ستواجهها حينها هى قوى وتيارات الإسلام السياسى .

●  «المال »: ولكن .. أليس تولى أشخاص قادرين على تبنى أسس واضحة لإدارة الأوضاع فى مصر قد يقلل الخسائر؟

الخازندار : أنا مقتنع أنه فى حال العمل على الإطاحة بالنظام الحالى أو الضغط عليه لدرجة تعوقه عن استكمال طريقه، فسيكون هذا النهج هو نفسه الذى سيتم اتباعه من قبل أنصار تيار الإسلام السياسى، مع أى شخص آخر أو نظام مختلف، إن لم يكن أعنف .

●  «المال » لكن فرصة الرئيس محمد مرسى تم إهدارها لعدم الوفاء بالوعود المتعلقة بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور .. فلماذا يمكن الحكم على فشل أى رئيس جديد فى تهدئة الشارع، إذا لم يقم بفعل مماثل يفقده فرصته فى اكتساب الشرعية؟

الخازندار : أعتقد أن مصر ستظل فى هذه الأزمة لفترة طويلة والاقتصاد سيواصل التدهور، كما سيستمر انخفاض سعر صرف العملة المحلية، فضلاً عن استمرار ارتفاع معدل التضخم، وسنظل ندور فى هذه الدائرة لحين الوصول إلى درجة توافق وطنى حقيقى، حتى يمكن إجراء التعديلات الدستورية المطلوبة من قبل لجنة تضم عناصر من الإخوان والسلفيين فمن يحلم بإزاحتهم نهائيًا عن المشهد السياسى، حالم، ويجب أيضًا أن تضم كل أطياف المجتمع التى رفض %40 منها الدستور .

وإلى حين الوصول إلى نقطة التوافق هذه، لن تكون لدى أحد القدرة على رفع الدعم أو زيادة الضرائب، بل ستواصل ما نحن فيه حاليًا، من اتخاذ القرار ثم تغييره بعدها بأيام، أو إجراء تعديل وزارى بسيط، بما يساهم فى استمرار الحراك الشعبى والعنف .

●  «المال »: أزمات الشارع لم تعد تقتصر فقط على النزاع السياسى، فالأزمة الاقتصادية امتدت إلى أغلب البيوت ما مثل دعماً للحشود الثورية التى عادت للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والعدالة الاجتماعية .. ما الحلول المتاحة لمواجهة هذا الغضب؟

تيناوي : يجب أن نتوافق على كيفية إدارة هذا الوطن، إذا كانت الأطراف فى النظام والمعارضة على درجة مناسبة من الرشد والتحضر فعليهم أن يبدأوا التوافق .

الخازندار : لكنى أرى أنها معركة تكسير عظام بين قوى النظام والمعارضة ستستمر لحين الوصول إلى نقطة توافق، يدرك عندها كل طرف امكانيات الطرف الآخر والاعتراف بعدم امكانية استبعاده من المشهد أو تهميشه .

التيناوي : إن التخوف الرئيسى الذى نواجهه حالياً هو متى تأتى نقطة التوافق، لأن طول الفترة الزمنية التى تستغرقها معركة تكسير العظام تكبد الاقتصاد خسائر وصعوبات كبيرة .

سبع : عادة ما يتراجع الشخص الضعيف فى أى نزاع إذا وجد منافسة قوية بما يكفى لتهديده، إلا أن معركة تكسير العظام الدائرة غير معروف من هو الطرف القوى فيها أو الضعيف، وبالتالى نشاهد كل طرف بالنزاع السياسى يوجه صفعة للآخر لمعرفة رد فعله وقياس قوته، إلا أنه للوصول إلى نهاية هذه المرحلة، يجب أولا أن يحدث تكسير فعلى لهذه العظام، من خلال القضاء على النظام الحالى، وتكسير الذى سيخلفه رغم إحساسه بأنه تملك الوضع بعد نجاحه فى القضاء على الأول، حتى يكون للثالث عبرة بما حدث لسابقيه،   بما يجبره على الالتزام بالتوافق والمشاركة فى إدارة البلاد بما يهدف للمصلحة العامة وليس لمصلحته السياسية، إلا أننا لم نعد نمتلك الوقت اللازم للمضى فى هذه المعركة للنهاية .

الخازندار : للأسف أتفق معك فى هذا الرأى كليا، لكن ماذا يعنى عدم امتلاكنا للوقت؟

سبع : الفترة الزمنية التى يستغرقها تكسير الوضع القائم ومضى بعض المراحل فى تكسير الوضع الجديد، ستكون الأزمة الاقتصادية توحشت فيها، وحينها سيكسر الشارع كل الأوضاع .

●  «المال »: فى ظل عدم امكانية اتخاذ خطوات تجاه الحلول المطروحة للأزمة الاقتصادية الراهنة دون الوصول إلى نقطة التوافق الوطنى التى تتطلب بدورها الانتهاء من معارك تكسير العظام .. من وجهة نظركم هل نمتلك الرفاهية لتحمل هذا السيناريو حتى يكتمل أو تنضج معركة تكسير العظام؟ وإلى متى يمكننا تحمل ذلك؟

الخازندار : أعتقد أننا لا نملك رفاهية تحمل تبعات هذه المعركة، لكن ما باليد حيلة .

ويجب أن نكون واضحين هنا، فمعنى أن الاقتصاد يسوء يوماً بعد يوم، أن هناك ضعفاً تتعرض له العملة المحلية، واستمرار موجة الغلاء الشديدة فى الأسعار، وستستمر الاضطرابات فى تحديد القوى الشرائية للمواطنين البسطاء، وبالتالى تحدث زيادة فى معدلات الفقر، لحين ظهور قيادة لديها الشرعية والكفاءة والقدرة على اطلاع الشعب على حقيقة ما يحدث، واقناعه بقبول قراراتها والخيارات الصعبة التى سيواجهها للعودة مرة أخرى لمسار النمو .

وسيزداد سوء هذه الأوضاع لفترة، لكن هناك بعض العوامل التى ستساعد على تخطى ذلك خلال الفترة المقبلة، مثل قرض صندوق النقد الدولى الذى أتوقع الحصول عليه خلال الأشهر الستة المقبلة ولكنه لا يستطيع بمفرده حل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر حالياً، إضافة إلى الحصيلة المتوقعة من بعض إصدارات الصكوك المرتقبة .

تيناوي : أود أن أوجه سؤالاً للأستاذ هشام الخازندار، عن ماهية المتغيرات التى قد تطرأ خلال الفترة المقبلة على الوضع الراهن حتى يتسنى لنا الحصول على قرض صندوق النقد؟، وبالنسبة للحصيلة المرتقبة من الصكوك المراد طرحها بغض النظر عن رأى مؤسسة الأزهر فيها، ما فائدتها إن كانت ستجمع الأموال المتوافرة بالسوق المحلية حالياً لتتحول من الودائع البنكية إلى الصكوك وكأن شيئاً لم يكن؟

وفى حال الرغبة فى استخدام هذه الإصدارات فى جذب استثمارات خارجية   جديدة، سنجد أنفسنا أمام المأزق نفسه الذى يعوق جذب أى استثمارات بخلاف هذه الأداة والمتمثل فى الأزمة الأمنية التى تمر بها مصر .

الخازندار : الأمثلة التى استخدمتها لتحسين الأوضاع نسبياً، لا تعنى قدرة القرض أو الصكوك على تغيير الاتجاه الهابط الذى اتخذه الاقتصاد المحلى منذ فترة، لكننى أردت تشبيهها بتحركات أسواق المال التى تشهد صعوداً نسبياً ومتفاوتاً خلال المسار الهابط الذى يسيطر عليها لفترات .

وفيما يتعلق بالحلول والتشخيص فلا أجد أى مشكلة فى إيجاد الحلول لأنها واضحة كعناوين رئيسية، فنحن فى حاجة لحل أزمة الطاقة، وعودة الأمن للشارع المصرى، وحكومة قادرة على اتخاذ قرارات، أما تفاصيل وآليات الحلول فيمكننا الاستعانة بالتجارب التى مرت بها العديد من الدول فى حل أزمات الطاقة عن طريق الكوبونات لضمان وصول الدعم لمستحقيه ويتم تحرير باقى الأسعار .

هناك أيضاً بعض الاقتراحات والدراسات الخاصة بهيكلة وزارة الداخلية كمرحلة أولى، كما يجب من القضاء على ظاهرة الأيدى المرتعشة فى الحكومة، علاوة على تحجيم سيل البلاغات الخاطئة والكيدية عبر توجيه تهمة البلاغ الكاذب لمن يتقدم به فى حال ثبوت كذبه وخضوعه للعقاب .

ولا أرى أى أزمة أو صعوبات فى تشخيص المشكلات التى يواجهها الاقتصاد المحلى حالياً أو إيجاد حلول فعلية لها لأنها باتت واضحة نسبياً على عكس ما واجهناه من صعوبة فى التشخيص الدقيق للمشكلات خلال العامين الماضيين، لكن الأزمة تتلخص فى كيفية الوصول للمرحلة التى ستشهد اتفاق مجموعة مختلفة من الكفاءات والقوى الوطنية على تنفيذ هذه الحلول .

●  «المال »: إلى متى يستطيع الاقتصاد الصمود فى ظل أوضاعه الراهنة، خاصة فيما يتعلق بسداد الديون؟

زيادة : أعتقد أن هناك اتفاقاً على حلول هذه المشاكل، وهذه الحلول ليست من وجهة نظرى الشخصية .. باختصار ، توجد دراسة بحثية أجريت على 18 دولة تمر بمرحلة انتقالية، وأوضحت الدراسة أن الأنظمة الانتقالية الناتجة عن تحولات سياسية إما أن يسعى بها أحد الفصائل السياسية لاحتواء جميع   الفصائل السياسية الأخرى، مثل البرتغال التى قصرت مرحلتها الانتقالية إلى أقل من عامين، وإما فصيل لا يسعى لاحتواء الفصائل الأخرى وهنا تطول هذه المرحلة ونحن الآن أقرب للسيناريو الثانى .

هناك رجل اقتصادى سياسى وضع بعض الأعراض، التى فى حال حدوثها لابد من اكتشاف أن الاتجاه خاطئ، مثل الإحساس بعدم اختصاص المسئولين والتدافع لإيجاد الحلول، فالعرض الثانى يؤدى إلى تضارب فى الأداء الحكومى وهذا ما اتفقنا جميعاً على وجوده، خاصة فى مثال التدخل لاتمام عمليات تصالح لرجال أعمال بعينهم أو تضارب القرارات عن طريق أخذها ثم التراجع عنها مثل قرار زيادة الضرائب .

أما عدم الاختصاص فيساهم أيضاً فى ارتباك القرارات وخلق حالة خلاف واسعة على توصيف المشاكل وطرق التعامل معها رغم الإجماع على وجود مشكلة، فالعمل الفردى لأشخاص متغيرين فى قضايا حيوية يثير التساؤلات عن عدم وجود نسيج أو إطار واحد وثابت للتعامل حتى يتم إنجاز هذه الملفات .

ويتمثل العرض الثالث، الذى اعتبره فى غاية الأهمية، ونعانى منه حالياً فى مصر، فى الإحساس بغياب الرؤية الاستراتيجية، أو معرفة مجموعة من الحلول التى يعرفها الكثير، لغياب إجراءات تنفيذها، ورابعاً ارتفاع سقف التوقعات الذى يخلق حالة رفض والاتهام بعدم الوفاء بالوعود وهو ما مرت به مصر، بعد تنحى الرئيس السابق وعبرت عنه المظاهرات الفئوية وقتها، لكن انتهت فترات ارتفاع سقف التوقعات سريعاً، فالمتابع جيداً لتقارير جميع المنظمات الحقوقية سيجد تراجعاً كبيراً فى معدلات المظاهرات الفئوية .

وعلى الرغم من ذلك فعلمياً لا توجد نهاية لما يمكن تحمله، فنحن نستطيع تحمل الأوضاع الحالية إلى الأبد، فعلى صعيد التضخم دولة مثل زيمبابوى كانت تطبع عملة ورقية قيمتها بـ 10 تريليونات دولار .

وتوافر كل الأعراض يؤكد أن مصر تسير فى اتجاه خاطئ نتيجة اختيارها نظاماً سياسياً خاطئ .

●  «المال »: إلى متى تستطيع مصر سداد التزاماتها الخارجية، والتزاماتها تجاه الموردين خاصة فيما يتعلق بالبترول والسلع الأساسية   فى ظل هذا الوضع؟

زيادة : رأى صندوق النقد الدولى وتوصيف البنك الدولى للإفلاس هو عدم قدرتك على سداد التزامك حين يحل أجله، ولديك 13.6 مليار دولار، ، وعلى الرغم من دخول الوديعة التركية لكن تم سداد ديون لـ «نادى باريس » والتزامات أخرى بما أدى إلى إهلاك 1.4 مليار فى شهر واحد، الـ 13 ٫ 6 مليار دولار القائمة منها   حساب جار نحو 400 إلى 500 مليون دولار، والتزامات على الهيئة العامة للبترول فى مجال الطاقة، بجانب «AUCTIONS» مزادات البنك المركزى المصرى على الدولار وبالتالى لن يتبقى شيء من الاحتياطى النقدى الأجنبى، مع العلم أن على مصر التزامات خارجية بنمو 36 مليار دولار وفى هذه الأوضاع كان من الأفضل أن يكون النصيب الأكبر من التزامات مصر خارجياً وليس داخلياً، لأنه فى حال الالتزامات الخارجية تستطيع الدول عدم السداد وجدولة جزء كبير من ديونها، مما يعطيها مساحة من الوقت لتأهيل أوضاعها الداخلية، كما كانت الحال فى دبى منذ فترة ليست بعيدة، ولكن تظل المشكلة الكبرى هى وقوفنا فى مرحلة قياس القدرة على الاحتمال للأوضاع الراهنة وهو أمر غير مفيد نظراً لقدرتنا على الاحتمال إلى ما لا نهاية ولكن العبرة بالتحركات السريعة والدقيقة لتجنب حدوث ما هو أسوأ من الحالى .

ففى حال وصول مصر لمرحلة عدم القدرة على توفير الخبز للمواطنين ستستطيع تحمل المزيد، إلا أن معدلات الوفاة الناتجة عن الجوع وزيادة معدلات الفقر ستزيد، إضافة إلى ارتفاع معدلات الهجرة للخارج .

ولقد نشرت جريدة الفينانشيال تايمز مؤخراِ مقالاً عن توقعات بأزمة فى الخبز فى أوروبا نتيجة تنبؤهم بهجرة المصريين لدول أوروبا مع ارتفاع معدلات الفقر نتيجة تردى الأوضاع السياسية وبالتالى الاقتصادية .

وفيما يتعلق بأوضاع المستثمرين ستظل فى تدهور مستمر نظراً لغياب الذراع التنفيذية للحكومة والمنوطة بانجاز مصالح المستثمرين المعطلة، خاصة بعد وصول الأجل الزمنى لإنهاء أى مستندات حتى وإن كانت تتعلق بمدخلات الإنتاج إلى 4 أو 5 أشهر كاملة، علاوة على أزمة القوانين، وأخيراً المصارحة .

ونجحت جنوب أفريقيا فى تجربة تفعيل المصارحة البناءة من خلال 3 نقاط أولاها إيجاد نقاط الخلاف بموضوعية ، والثانية المصارحة بردود المصالحة مع رجال الأعمال أو غيرهم، عبر إطلاع المواطنين على مزايا ونتائج هذه المصالحات سواء كانت ستساهم فى خلق مزيد من فرص العمل أو دعم الاقتصاد بصور مباشرة أخرى، ولكن دون الوقوع فى خطأ ترجمتها لمبالغ كبيرة ومبالغ فيها دون عرض امكانية الوصول لذلك كما تفعل الحكومة الحالية .

والمصالحات فى النهاية هى إطار شعبى لابد من حصوله على دعم وتأييد من قوى الشعب المختلفة، لأن ذلك سوف يحصننا من حالات الرفض والمهاجمات والاتهامات التى دائماً ما تلحق بالحديث عن سير أى مفاوضات للتصالح مع أحد رجال الأعمال، وثالثا إيجاد آليات تفعيل المصالحة التى لابد أن تضع فى حسابها التمثيل الشعبى فى مراحلها الأولى لضمان حالة الرضا العام عما سيتم إنجازه بها .

ولو أردنا الحديث عن المستويات التى ستصل لها العملة سنجد تراجع معدل نمو الاقتصاد المحلى إلى %1.5 بدلاً من 6 إلى %7 قبل الثورة، ففى آسيا عندما يتراجع الاقتصاد نتيجة وجود اختراق عال للبنوك فى السوق DEEP BANKING PENETRATION ، يؤدى تراجع النمو بـ %1 ، إلى زيادة   (معدل القروض المشكوك فى تحصيلها بحوالى 30-20 نقطة أساس .

بينما فى مصر الوضع أصعب خاصة أن معدلات الاختراق المنخفضة بالسوق المحلية من الصعب رفعها لأعلى، خاصة فى ظل تمركز عمليات الاقراض فى مصر، كما أن ربحية البنوك كشفت عن اعتمادها بقوة على الاستثمار فى أدوات الدين الحكومية فى ظل الارتفاع القوى فى العائد على الاستثمار منها والذى بلغ حوالى %16.

ونقطة أخيرة يجب التطرق إليها وهى أن %80 من الدول التى تمكنت من الخروج من أزمات شبيهة بحالة مصر حالياً كانت تعانى فى الأصل مشكلات فى الطاقة قامت بإعادة هيكلتها، كما أن اللافت للنظر أن %100 من هذه الدول لم تكن عندها موارد مالية إضافية مثل شيلى على سبيل المثال .

●  «المال »: نعتقد أن هناك شبه اتفاق على بعض الإجراءات والقرارات الاقتصادية التى من الواجب إصدارها بغض النظر عن الاضرار التى قد تسببها سواء لرجال الأعمال أو المجتمع ككل للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة والمتفاقمة إلى حد كبير، إضافة إلى أهمية وجود إدارات ذات كفاءة ولديها شرعية تؤهلها لتنفيذ تلك القرارات .. من أين نبدأ؟

سرى الدين : الوضع الاقتصادى حالياً ما هو إلا نتيجة للأوضاع السياسية المتأزمة، وبالتالى ستظل الحلول الاقتصادية الحقيقية مرهونة بإصلاح المناخ السياسى أولاً، وأعتقد أن أخطر أخطاء المرحلة الانتقالية فى مصر عدم الأخذ فى الاعتبار بتقرير دولى غاية فى الأهمية .

التقرير صدر خلال شهر سبتمبر 2011 ، ورصد حالة كل الدول التى تمر بمرحلة انتقالية شبيهة بالتى تمر بها مصر، وأوضح أن الدول الوحيدة التى استطاعت عبور المرحلة الانتقالية بأمان هى الدول التى نجحت فى الوصول للتوافق السياسى على الأمور الحيوية مع ترحيل المشكلات العقائدية واختلافاتها لما بعد العبور الآمن .

وللأسف النثرات الأولى من المرحلة الانتقالية فى مصر والتى كانت تحت إدارة المجلس العسكرى أبقت الوضع على ما هو عليه، وأبقت على النظام وعلى كل شىء، على أساس أن الوقت غير مناسب لذلك وهو ما أدى إلى تفاقم المشكلة الاقتصادية .

وعندما جاءت حكومة الإخوان منذ 7 أشهر، بدأت عملية الأخونة وخطة التمكين وهذه مسألة واضحة، وبالتالى لم تلجأ الحكومة للتوافق، والمجلس العسكرى بدأ بالإبقاء على الأنظمة والسياسات كما كانت فى عهد النظام السابق للثورة لحين تشكيل حكومة جديدة ولكنها جاءت بأجندة خاصة بفصيل واحد من بداية الانتخابات الرئاسية وحتى تعيين الجمعية التأسيسية للدستور، مما فرض مرحلة جديدة من الصدام لأن الثورة لم تقم للإطاحة برئيس الدولة فقط ولكن كانت ضد نظام وسياسات رفضها الشعب .

وحكومة الإخوان أدخلتنا فى مرحلة أخطر من السابق منذ بداية الحديث عن التعجيل بالانتخابات البرلمانية المقبلة بعد الانتهاء من الدستور الذى لاقى رفض شريحة كبيرة من الشعب المصرى، إضافة إلى السيطرة الكاملة على الحكومة وذلك ما ترتب عليه انقسام الشعب واحتدام الصراع وعدم الاستقرار   بين القوى السياسية المختلفة وانعدام الثقة بينها، نتيجة تجاهل مناطق الاتفاق والانفراد بالقرار فى كل شئون الدولة، مما أدى إلى فشل كامل وذريع فى إدارة الأزمة السياسية .

ولدينا مؤسسات حكومية ضعيفة وتعيسة من قبل الثورة بالفعل، ولكن ما حدث أدى إلى مزيد من الإضعاف، الذى يحول دون اتخاذ قرارات إدارية وسياسية واقتصادية سليمة، ويرجع ذلك إلى أن الحكومة التى لا تمتلك رؤية سياسية، إضافة إلى ضعفها الشديد وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات تتسبب فى مزيد من الانهيار لهذه المؤسسات، فمصر أصبحت شبه منهارة .

ومن هنا يتأكد لنا أنه لابد من خلق توافق وطنى فى المقام الأول حتى نستطيع تشكيل نظام وحكومة ذات كفاءة عالية وقدرة على اتخاذ القرارات والحلول الاقتصادية الصعبة، لأن ذلك هو الضمانة الوحيدة لقبول الشعب للعواقب المؤقتة للقرارات، مثل حل أزمات الطاقة والتعامل بشكل حقيقى مع قضية الدعم وسد عجز الموازنة وتخفيض الإنفاق، حتى نتمكن من العمل على الوضع الأمنى غير المستقر قبل استعادة النشاط السياحى والاستثمار بشكل عام .

والحكومة الحالية لا تريد أخذ العديد من القرارات الاقتصادية الصعبة لما يصاحبها من آثار سلبية قد تزيد غضب الشعب منها، ترتب على ذلك فى كثير من الأحيان التراجع عن القرارات فور اتخاذها مثل قرار رفع الضرائب على السلع الذى تراجعت الحكومة عنه لأسباب سياسية وليست اقتصادية تتعلق بالعملية الانتخابية وتمرير الدستور حينها، ففى هذه المرحلة الحكومة ترجئ القرارات الاقتصادية المهمة ولا تعمل على التوافق السياسى اللازم لإنهاء هذه المرحلة غير المستقرة .

الحل يتلخص فى تعجيل عملية التوافق السياسى حتى نستطيع الحد من الانهيار الاقتصادى، فاستكمال خطة التمكين لفصيل الإخوان سيترتب عليه مزيد من التدهور السياسى والاقتصادى والأمنى والاجتماعى .

ولو أن هناك إرادة سياسية حقيقية لحل الأزمة الاقتصادية فى مصر، ستبدأ بخلق مناخ من التوافق السياسى بين الفصائل المختلفة ثم القرارات الاقتصادية الصعبة والمهمة، من خلال تشكيل حكومة فاعلة فى المرحلة الانتقالية الموجودة لها تكليفات محددة على رأسها ملف الأمن والتعامل مع البلطجية وتهريب الأسلحة لخلق انطباع فحواه عودة الأمن لأننا لا يمكننا القضاء على هذه المشكلة فى فترة وجيزة .

وللعلم فإن ذلك أمر شبه مستحيل أن تنجح الحكومة الإخوانية فى تحقيقه، لأن الشعب والقوى السياسية فى حالة انعدام الثقة فى هذا الفصيل، مما سيدفعها لترجمتها فى سياق قمع من النظام ضد المظاهرات السلمية وعدم التفرقة بين ممارسى أفعال البلطجة بالفعل من غيرهم .

كما أنه لابد من حكومة يثق بها الشعب حتى تستطيع العمل لإصلاح المسار السياسى من خلال تعديل الدستور وقانون الانتخابات وتهيئة مناخ الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهناك تكليف ثالث لهذه الحكومة يتلخص فى عدد من القرارات الاقتصادية الواجب اتخاذها مثل حل أزمة الدولار وسد عجز الموازنة، وإنجاز إجراءات قرض صندوق النقد الدولى «IMF».

وأعتقد أن هناك ملفاً رابعاً لابد أن يتم إنجازه بتكليفات محددة تتعلق بمشكلات الاستثمار سواء المصانع المغلقة، أو الإطار القانونى الواضح لعملية المصالحات مع رجال الأعمال، حتى نستطيع الانتقال بسلاسة إلى المرحلة متوسطة وطويلة الأجل بسياسات اقتصادية واضحة لاستعادة معدلات النمو   الاقتصادى المرجوة للقضاء تدريجياً على أزمات الأمن والفقر فى المجتمع المصرى .

ولابد من تكليفات واضحة للحكومة للحد من أزمة الفقر المتفاقمة فى عدد من القرى الصغيرة والمهمشة، فنحن لدينا أكثر من 8 ملايين مواطن مصرى يتقاضون أجراً يقل عن 250 جنيهاً شهرياً، والوضع بات مأساوياً بكل المقاييس ولابد من حلول سريعة .

ولقد فرض البعد الاجتماعى نفسه على الساحة منذ اندلاع ثورة 25 يناير، فلابد من بعض الإجراءات الخاصة بمكافحة أزمة الفقر فى بعض المناطق حتى يتسنى لنا استكمال باقى الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وإن لم نراع ذلك فسيستمر نزيف الخسائر على كل المستويات .

سبع : لدى رغبة فى الجمع بين وجهات النظر السابقة والتى اتفقنا فى مضمونها على المشكلات وتشخيصها وعلى الكثير من الحلول الفعالة لها، حتى وإن اختلفنا على تفاصيل كل حل على حدة، وأولويات الوصول لأفضل تطبيق، وخلال عملية دمج وجهات النظر ظهرت مشكلة تتلخص فى القدرة على تنفيذ هذه الحلول والضمانة لها .

تنفيذ الحلول السابق ذكرها بكفاءة وسرعة مرهون بظهور قائد متجرد من الانتماءات السياسية يستطيع تجميع كل الفصائل حوله وفى الوقت نفسه لديه ديكتاتورية، قاطع، قادر على اتخاذ قرارات قوية مع إرضاء الكل لضمان عدم معارضتها بحدة تعوق استكمال تطبيقها، وهذا ما أعتبره «حلماً غير واقعى » ، وبالتالى لا يوجد أمامنا خيار واقعى سوى التوافق الوطنى حالياً وسريعاً .

وعلى الرغم من ذلك فأنا لا أعتقد حدوث توافق وطنى قادر على خلق حالة من الاستقرار السياسى والاقتصادى حتى تصبح الحلول المذكورة غير نظرية فقط حالياً، وأتخيل أن كل الفصائل ستظل على أوضاعها الحالية سواء من فى السلطة أو المعارضون لهم حتى يتأكد الجميع من عدم جنى سوى الخسائر التى ستجبرهم على تقبل التوافق مع بعضهم البعض .

وفيما يتعلق بالملف الأمنى لابد من التركيز على أمر بالغ الخطورة يجب التحرك له بسرعة شديدة، وهو أن تردى الأوضاع الاقتصادية للمواطنين يدفع عدداً كبيراً منهم للممارسات الخاطئة وامتهان البلطجة أو السرقة أو النصب على الرغم من تمسكهم لفترة بمبادئ وقواعد وأسس سليمة تفرق بين الصواب والخطأ لحين نفاد قدرتهم على الاحتمال، وفى حال تخطيهم هذه المبادئ نتيجة ظروف سيئة تفقد الدولة والمجتمعات قدراتها على استعادة هذه المبادئ، حتى وإن توافرت فرص العمل التى توفر لهم معيشة متوسطة نتيجة ارتفاع مستوى الدخول بالطرق غير المشروعة عن تلك الفرصة .

ولابد من استيعاب ذلك والتحرك لحل هذه الأزمة عبر خلق المزيد من فرص العمالة حماية لأمن المجتمع ودعما للوضع الاقتصادى، لأننا نسير حالياً فى اتجاه فقد الكثير من المواطنين مبادئهم وأسس العيش السليمة نتيجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الكارثية .

●  «المال »: اتفق جميع المشاركين فى الندوة على حتمية التوافق السياسى أولا حتى نستطيع تنفيذ الحلول اللازمة للخروج من الأزمة   الاقتصادية، فهل لدى أحدكم أمل فى اتخاذ النظام الحالى أى مبادرات حقيقية للتوافق الوطنى عن طريق تقديم بعض التنازلات لامتصاص كل هذه الأزمات؟

سبع : ليس بيد النظام الحالى تقديم أى تنازلات للوصول إلى التوافق الوطنى بين القوى السياسية .

●  «المال »: ماذا تقصد بأنه ليس بأيديهم تقديم أى تنازلات؟

سبع : الواقع أثبت أنهم لا يرغبون أو يستطيعون تقديم أى تنازلات لامتصاص غضب الشارع واحتواء الخلاف مع القوى السياسية نتيجة صراع اكتشاف هوية الطرف القوى فعلياً، ففى حال إقدام السلطة على تقديم أى تنازلات ستكتشف القوى المعارضة فى الشارع المصرى أنها الأقوى .

●  «المال »: ما الخسائر التى سيتحملها النظام فى حال تشكيله حكومة ائتلاف وطنى لإدارة المرحلة الحرجة بتوافق من وجهة نظرك؟

سبع : سيرفع المعارضون فى الشارع المصرى سقف طلباتهم بما يسمح بتلبية طموحاتهم منذ اندلاع ثورة يناير .

ولا يوجد توازن بين القوى السياسية المختلفة، فكلما تراجع النظام ستزيد مطالب الشارع المصرى والمعارضين، وكلما زادت غطرسة النظام الحالى سيزيد الضغط الشعبى عليه وارتفاع حدة التعبير عن رفضه .

●  «المال »: هل هذا معناه عدم وجود بدائل للخروج من الأزمة إلا بسقوط هذا النظام وأنها أزمة وقت؟

سبع : نعم كل السيناريوهات باتت تؤكد سقوط النظام .

الخازندار : أعتقد أن الخروج من الأزمة حالياً مرهون بانخفاض سقف التوقعات والمطالب من جهة المعارضين بشكل معقول وقابل للتطبيق مع إعطاء النظام الحالى فترة من الزمن كافية لإنجاز المهام المطلوبة منه .

●  «المال »: هناك رفض شعبى واسع للبدائل التمويلية التى لجأت إليها الحكومة للخروج من الأزمة سواء الخاصة بالصكوك الإسلامية التى تصاحبها تخوفات على أصول الدولة أو قرض صندوق النقد الدولى أو رفع معدلات الضريبة على السلع .. هل لا توجد بدائل تمويلية أخرى نستطيع من خلالها عبور الأزمة دون زيادة الغضب الشعبي؟

الخازندار : لا توجد حلول سحرية .

تيناوي : ليس الأزمة فقط فى عدم وجود حلول سحرية، ولكن المشكلة هى اتخاذ القرار بجرأة وبغض النظر عن ردود الأفعال عليه طالما أنى تأكدت من جدواه وحتميته لحل الأزمة ومستعد لتحمل نتائجه .

كما أن تهيئة المناخ قبل اتخاذ القرارات شيء فى غاية الأهمية ولكن تتجاهله الحكومة، ففيما يتعلق بالقرض أو الصكوك، كان يجب على الحكومة ووزرائها مخاطبة الشعب وعرض التفاصيل عليه حتى يستطيع استيعاب القرار، فما حجم الشريحة التى تعرف معنى «الصك » مقارنة بالوديعة التى يعلمها كل الشعب بمن فيهم الفقراء الذين لا يمتلكون ودائع بنكية .

وفيما يتعلق بقرض صندوق النقد الذى تناوله فصيل الإسلام السياسى فى البداية من منظور الربا والفائدة، ثم أصبحت الأزمة فى الشارع حول قدرة الـ 4.8 مليار دولار التى سنحصل عليها من صندوق النقد على حل أزمة السوق المصرية، وذلك لعدم شرح أى من تولى مسئولية مصرية خلال المرحلة الانتقالية أن فوائد القرض لا تنحصر فى قيمته ولكن فى قدرته على فتح منافذ جديدة للاقتراض من صناديق دولية أخرى بفوائد أقل، فمصر بحاجة لحوالى 20 مليار دولار خلال 2013 للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة .

ونحن بحاجة لحملات توعية مع الحفاظ على الشفافية فى اتخاذ القرارات وعرض المشكلات على الشعب حتى نستطيع اتخاذ القرارات الصعبة بنجاح مع ضمان قبولها الشعبى .

●  «المال »: شرح فوائد القرض للشعب هل كانت ستقضى على حالة الرفض نتيجة ارتباطه برفع الضرائب على السلع فى محاولة لسد عجز الموازنة الذى يمثل شرطاً للحصول على قرض الصندوق طبقاً لتصريحات الدكتور ممتاز السعيد وزير المالية السابق بعد تركه منصبه رغم نفيه ذلك، حينما كان وزيرا للمالية واستمرار   الحكومة فى نفى ذلك طوال الفترة الماضية؟

تيناوي : هذه افتراضات ليست سليمة وليس لها علاقة بشروط الحصول على القرض، لأن مسئولى صندوق النقد الدولى عندما اجتمعوا مع الحكومة وتساءلوا عن نسبة عجز الموازنة، أوضحت الحكومة أن العجز %11.5 ، ثم استفسروا عن المعدل الذى تستهدف الحكومة تخفيضه، والذى كان الرد عليه بالوصول إلى %8 خلال 3 سنوات .

وما أعلمه جيداً أن مسئولى الصندوق استفسروا عن البرنامج الذى ستتبعه الحكومة للوصول لهذا الخفض فى معدلات عجز الموازنة العامة، وما حدث أن الحكومة المصرية قبل الاستفتاء على الدستور قررت تأجيل القرض نظراً لشعورها بأن الحلول التى عرضتها على صندوق النقد الدولى لن لا تستطيع تطبيقها فى هذا التوقيت، ولكن تم تسويق ذلك فى سياق أن الصندوق هو سبب التأخر، على الرغم من أن الحكومة هى من وضع هذا البرنامج لسد العجز وهذه الشروط التى لم تفرض عليها فى حقيقة الأمر .

سبع : بالفعل لا توجد حلول سحرية، وبالتالى كل حل له عيوبه أو تكلفته، وبالتالى أى اقتراح من جانب ستقابله القوى السياسية المختلفة معه أو المعارضة له بالانتقادات التى تتضمن المبالغة فى حجم عيوبه للمواطنين، حتى تجعل الحل أمراً يصعب تنفيذه نتيجة حالة الرفض التى ساهمت الحكومة فى تفاقمها بأسلوب عرضها للمقترح .

وتدليلاً على ذلك أتذكر أن قرض صندوق النقد الدولى عارضته جماعة الإخوان خلال فترة خوض مفاوضاته عن طريق حكومة الجنزورى من زاوية أن الفائدة حرام شرعاً، وحالياً عندما جاءت حكومتهم روجوا أن هذه ليست فائدة ولكنها مصروفات ورسوم إدارية، وفى ذلك الوقت كان رأى الفريق المعارض لحكومة الإخوان أن للقرض شروطاً مجحفة ستضر بالمجتمع، وبالتالى سيصبح القرض فى نظر رجل الشارع العادى أمراً لابد من الاعتراض عليه .

●  «المال »: الموضوع بدأ من نفى الحكومة لكل ما ذكرته وسائل الإعلام عن كون القرض مشروطاً تماماً، ويجسد ذلك اختلاف تصريحات ممتاز السعيد بأنه لا توجد شروط على العملة خاصة بالقرض حينما كان وزيرا للمالية، ثم قال بعد خروجه من الوزارة إن القرض كان مشروطا من البداية بتعويم كامل للجنيه المصرى، وهنا لا نتحدث عن حكومة قنديل أو الجنزورى، ولكننا نتحدث عن وزير بعينه شارك فى المفاوضات .. إلى أى مدى تثق القوى المعارضة للإخوان فى حقيقة تصريحات ممتاز السعيد، وهل يمكن توقع وجود شروط غير معلومة؟

التيناوي : أى بنك عندما يقرض عميلاً لا يضع شروطاً ولكنه يطلع على ضمانات سداد قيمة القرض وطرقها وجدولها الزمنى، ومن يضع الشروط دائما هو المقترض الذى يلزم نفسه بأعباء معينة فى سبييل الحصول على الأموال .

سبع : على حد معلوماتى أن الشروط التى وضعها صندوق النقد الدولى على القروض كانت مجرد سياسات، وليست شروطاً تحدد رفع الدعم عن سلعة معينة بحجم محدد أو رفع الضريبة على سلع معينة .

سرى الدين : لدى معلومات مؤكدة أنه خلال فترة حكم المجلس العسكرى للبلاد كانت لا توجد أى شروط حتى وإن كانت سياسات عريضة، وحينها وقف الإخوان أمام حكومة الجنزورى رافضين الحصول على القرض .

زيادة : الخطأ بدأ منذ ظهور كلمة شروط وربطها بالقرض، لأن القواعد العامة لصندوق النقد الدولى لا تتضمن أى شروط على تعاملاته، كما أن قواعده تمنع دخوله فى أى حوارات ثنائية يتم خلالها وضع شروط من قبله لأنه بذلك سيتحول إلى مؤسسة سياسية وبالفعل لا توجد شروط .

سرى الدين : بالفعل صندوق النقد الدولى حالياً تخلو قواعده من فرض شروط محددة للحصول على قرض منه، ولكن ومنذ سنوات بعيدة كانت توجد لديه شروط تم إلغاؤها بعد ثبوت فشلها .

●  «المال »: الاختلاف ليس على هوية من وضع الشروط، ولكن الأزمة فى أن من وضع الشروط أو اتفق عليها هو من نفاها وأنكرها فى البداية وحتى الآن؟

سرى الدين : لا شك فى وجود أزمة إفصاح وشفافية كبيرة فى أداء النظام الحاكم، خاصة أن مصر شهدت ثورة، كما أن السلطة تعمل بعقلية «عامل اليومية » ، اليوم بيومه، ولا يوجد حوار مجتمعى حقيقى، ولذلك يترك من فى السلطة فرصة للمعارضين أن يستغلوا هذا الغياب أو التضارب فى المعلومات أو يصبح من حقهم أن يتشككوا فيها .

●   «المال »: تحدثنا كثيراً عن احتياجات وطلبات المستثمرين لضخ أموالهم بالسوق سواء المحليون أو الأجانب والإجراءات والقرارات التى أثارت تخوفاتهم على أموالهم واستثماراتهم والتى دفعت الكثير للخروج من السوق أو تعطيل الدخول .. لماذا لم نأخذ فى حسابنا أن يكون هناك بعض المستثمرين الأجانب القلقين من دخول السوق للاستثمار بنفس قواعد اللعبة التى وضعها النظام السابق والذى أطاحت به ثورة شعبية من تكرار الأمر نفسه، والدخول فى أزمات غير مرغوب فيها مع هذا الشعب الذى لا يستبعد أن يكرر ما فعل مرة أخرى ضد نفس السياسات التى رفضها من قبل؟

الخازندار : مشكلتى مع هذا الطرح أنه مبنى على افتراض أن الثورة قامت احتجاجاً على سياسات اقتصادية لحكومة نظيف ونظام مبارك، وذلك الافتراض أنا شخصياً لا اتفق معه، وأدى أن الثورة قامت لأسباب سياسية فى الأساس منها الدفاع عن حقوق الإنسان ومواجهة القمع وعدم التوريث، وليس أسبابها السياسات الاقتصادية بصفة عامة ولكنه احتجاج على عدم تطبيقها بشكل كامل وصحيح، وبالتالى إن النمو الناتج عن هذه السياسات لم تكن مشاركة المجتمع به بالشكل الواسع كما يجب أن يكون .

والاستثمارات بصفة عامة سواء كانت محلية أو خارجية لا تضخ فى الأسواق التى تنتهج سياسات معينة فى المقام الأول ولكن يتصدر أولويات المستثمر   المناخ الاستثمارى، ولذلك لابد من توافر الأمن وحكومة تتخذ قرارات وتصدر تراخيص، وحد أدنى للبنية الأساسية اللازمة لبناء المصانع من الكهرباء والماء والغاز وغيرها من الاستثمارات المتنوعة، بدلاً من قطع الغاز عن بعض المصانع خلال الفترة الأخيرة .

وفى نظرى هذه المشاكل لا يمكن التعامل معها خارج إطار توافق وطنى، على أن يكون الحجم الأكبر من المسئولية على عاتق الطرف الأقوى والذى يجب أن يكون الطرف الجامع ويخلق هذا الوفاق ولحين الوصول لذلك، سيظل الوضع الاقتصادى فى تدهور .

وعلى سبيل المثال تكلفة إرجاء ملف الدعم وهيكلة الطاقة فى مصر، نلمسها فى قطع الكهرباء والزحام على محطات البنزين وقطع الغاز عن المصانع، ومحدودية حركة النقل نتيجة قلة السولار، علاوة على تأثر تحصيل المحاصيل الزراعية لعدم وجود السولار بشكل كاف، بجانب أن الزراعة متأثرة بالفعل لعدم وجود الأسمدة اللازمة، ويعود كل ذلك إلى عدم قدرة الحكومة على استيراد كل احتياجاتها من المواد البترولية بسبب عجزها عن تدبير العملة الأجنبية .

كما أنه لابد من الالتفات إلى أن استمرار هذا الضغط سينعكس فى نهاية الأمر على الجنيه المصرى الذى سيستمر فى الانخفاض أمام العملات الأجنبية،   علاوة على اتساع الفجوة فى ميزانية الدولة، وبالتالى نضطر لإصدار أذون خزانة بفائدة متزايدة وبالتالى يحدث تضخم وزيادة فى الأسعار، ولذلك لابد من عدم إرجاء خطة الدعم وهيكلة الطاقة لأن تكلفة هذا خلال ستة أشهر فقط ستكون كبيرة .

سرى الدين : بالفعل الإرجاء سيكون ذا تكلفة باهظة، ولكن من الصعب أن تجرى الحكومة الحالية ذلك خاصة فى ظل حالة الانقسام الراهن .

تيناوي : فيما يتعلق بأذون الخزانة لابد من الأخذ فى الاعتبار أن القطاع المصرفى المتاح له لتمويل العجز الباقى عن طريق الاكتتاب فيها 50 ملياراً فقط .

الخازندار : فى هذه الحالات تلجأ الحكومة لطباعة النقود .

سبع : عندما يكون التضخم على مستوى العالم يتراوح ما بين 2 و %3 ، وفى البلاد النامية يتراوح ما بين 8 و %10 ، وفى خلال مراحل النمو الاقتصادى لمصر يصل لحوالى 18 إلى %20 ، فهذا يعنى أنه كانت لدينا أزمة هيكلية تساهم فى رفع أسعار السلع، وعندما يرتفع سعر السولار وتترتب عليه أزمات فى نقل المحاصيل، ما ينعكس سلباً على زيادة الفاقد من الماصيل الزراعية وبالتالى ارتفاع أسعارها بالأسواق تزيد أعباء رجل الشارع البسيط لإحساسه بارتفاع الأسعار .

الخازندار : فى حال استمرارنا على هذا المنوال سترتفع أسعار السلع بعشرة أضعاف خلال السنوات الست المقبلة .

سبع : أرى أن النمو الاقتصادى الذى سينعكس مباشرة على عامة الشعب سيكون من خلال تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى مازالت قادرة على استيعاب عمالة أكبر، وبالتالى لابد من العودة للتركيز على قطاع الشركات والمشروعات المتوسطة والصغيرة التى يمكنها دفع النمو الاقتصادى خلال هذه السنوات، بجانب الكيانات الكبرى التى سيطرت وحدها على تركيز الجميع خلال الفترة الأخيرة .