لا إمبراطوريات تدوم للأبد

لا إمبراطوريات تدوم للأبد
شريف عطية

شريف عطية

7:01 ص, الثلاثاء, 12 يناير 21

العد التنازلى للقطبية الأميركية قبل قرن من الزمان، وفى أعقاب الحرب العظمى، شاركت «المثالية» الأميركية فى السياسة الدولية من خلال النقاط الثمانى عشرة للرئيس «وودرو ويلسون» 1918عن «حق الشعوب تقرير المصير»، قبل أن تسفر عن وجهها الإمبراطورى عقب الفترة ما بين الحربين العالميتين، حين اصطبغت سياستها الخارجية منذ 1947 بالصراع الناشئ مع الاتحاد السوفيتى وقتئذ من بعد وفاقهما العظيم 1939- 1945الذى أنقذ القارتين الأوروبية والآسيوية من فاشستية دول المحور، إلا أنه سرعان ما أدت خلافاتهما الأيديولوجية والقيميّة إلى نشوب الحرب الباردة لنحو أربعة عقود تالية قبل «الانفراج العام» بينهما عشية التسعينيات التى شهدت ما يمثل المهانة القومية لـ«روسيا المركزية» التى خلفت الاتحاد السوفيتى بعد تفكك إمبراطوريته، ما كرس من سطوة «الأحادية الأميركية» على السياسة العالمية، إلى أن باتت محل الانتقاد الشديد من الرئيس الروسى فى مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبى 2006إيذانًا بتجدد شواهد الحرب الباردة بينهما مرة أخرى، بالتوازى مع اشتداد الضراوة الأميركية فى الاستمساك منذ ذلك التاريخ بواحديتها القطبية فى ظل منافسة متصاعدة مع كل من روسيا والصين، ناهيك عن دول الاتحاد الأوروبى، وبالتوازى مع متغيرات غير مسبوقة فى الداخل الأميركي.. أتت بأول رئيس للبيت الأبيض من جذور أفريقية- إسلامية 2009 -2017قبل أن يخلفه رئيس «شعبوي» من خارج الماكينة الحزبية، وعن مؤسسات الدولة العميقة establishment.. التى اصطفّت لعدم التجديد لـ«ترامب» لفترة رئاسية تالية، رغم حصوله على أصوات ناخبيه التى تزيد على 70 مليون مواطن، ما ينبئ بأن الولايات المتحدة مقدمة على حقبة حرجة من الانقسامات السياسية والعِرقية والأيديولوجية.. إلخ، لا يمكن تجاهلها أو التقليل من تبِعات مغزاها العميق على مستقبل الديمقراطية الأميركية، سوف تنعكس على الداخل الأميركى، كما على القوى المتحالفة أو المناوئة للولايات المتحدة التى باتت بصدد الوقوف عند مفترق طرق ما بين الإغراق الشعبوى أو الدفع نحو الاشتراكية، ما بين المزاجية الغرائبية التى يمثلها «ترامب» أو السياسة الواهنة التى يمثلها العجوز «بايدن»، ما بين مؤسسات الدولة العميقة الراغبة فى استمرار مغامراتها العسكرية الفاشلة فى الخارج، بأقله منذ «ريجان» حتى «أوباما»، باستثناء «ترامب» أو العصف الذهنى لظاهرة العنصرية الشعبوية «أميركا أولًا»، ما بين الأوليجاركية التى تمتلك 30 تريليون دولار، فيما الغالبية غارقة فى الديون 27.5 تريلوين دولار، أو بين طبقات عاملة لا يقيم نظام حزبى ديمقراطى مخادع شأنًا لمصالحها، وليس آخرًا ما بين أزمة أميركية متعددة الجوانب.. لم يكن «ترامب» سببًا لها، إن لم يكن مجرد عرَض من أعراضها المزمنة، يتلقى نيابة عنها السهام الساخرة السلطوية للقوى الديمقراطية القلقة على مستقبلها الغامض بحيث تضافرت جهودها فى الانتخابات الرئاسية، كذلك فى انتخابات مجلس الشيوخ لتوجيه صدمة صاعقة لسياسات «ترامب»، وأتباعه الذين من الصعب ألا يحسب حسابهم، ما سوف يؤثر على مستقبل السياسة الأميركية بالمزيد من العنف، فى الداخل والخارج بسيان، ربما إيذانًا بنهاية إمبراطورية عمرها قرن من الزمان، بدأت الوهن- بأقله من ثلاثة عقود سابقة- عبر جولات فاشلة متتالية للعد التنازلي للقطبية الأميركية