يعود الحديث بقوة إلى الأروقة الدبلوماسية فى الأسابيع الأخيرة، وكما المتوقع منذ نهاية 2015 رغم إنكار البعض مجرد احتماله، عن مفاوضات سورية- إسرائيلية، من المعتقد سريتها، حول تحرير هضبة الجولان المحتلة منذ 1967، إذ لم يقتصر التدخل العسكرى لروسيا قبل خمس سنوات فى سوريا.. للذود عنها فحسب فى مواجهة نحو خمسة جيوش إقليمية- دولية.. إضافة إلى تنظيمات مسلحة من المرتزقة، بل عُنيت كذلك بتأكيد دورها مجدداً كحقيقة سياسية عسكرية ثابتة فى شرق البحر المتوسط بصفة خاصة، والشرق الأوسط فى مجمله، بعد سبق طرد نفوذها عنهما.. مع استبعاد جهدها الدبلوماسى عن الأساليب الإجرائية التى قادتها الولايات المتحدة- منفردة- لتسوية الصراع العربى- الإسرائيلى فى أعقاب التعقيدات الناشئة عن حرب أكتوبر 1973 بين كل من مصر وسوريا فى مواجهة إسرائيل، ذلك عبر رعاية واشنطن اتفاقيتى فض الاشتباك بين المتحاربين خلال يناير ومايو 1974.. قبل استبعادها دمشق خطوات جانبية إلى نهاية الشوط فى مطلع التسعينيات (مؤتمر مدريد الدولى للسلام).. أعقبه لقاء قمة سورى- أميركى فى جينيف، قبل أن تتلوه محادثات رئيسى الأركان بين سوريا وإسرائيل.. اللتين باشرتا برعاية الرئيس الأميركى «كلينتون» مفاوضات وزير الخارجية السورى «فاروق الشرع» مع «إيهود باراك» رئيس الحكومة الإسرائيلية نهاية التسعينيات، لم تسفر كالجولات السالفة عن أى تقدم سوى ما سميت شفهياً بـ«وديعة رابين» بشأن بحيرة طبرية، فيما استمرت حالة الجمود لعملية السلام منذ مايو 1974.. لم تطلق منذئذ رصاصة واحدة فى جبهة الجولان المحتلة، ومع وفاة الأسد «الأب» يونيه 2000، ورفض «الابن» للتفاوض المباشر مع إسرائيل فى 2003، فقد أدى غزو الولايات المتحدة للعراق 2003، مع اجتثاث حزب البعث، إلى إقدام الكونجرس على إصدار التوجيه بـ«محاسبة سوريا».. حيث انسحبت قواتها عن لبنان أبريل 2005، إيذاناً باستكمال حصر سوريا وراء حدودها على الصعد العربية والإقليمية والدولية، إلى أن تعرضت منذ مارس 2011 لما يجوز وصفه بإرهاب «الربيع العربي»، كاد معه الحديث عن تحرير الجولان- بالحرب أو الدبلوماسية- أن يكون ضربًا من الخيال، فى نظر بعض المراقبين ممن لم يخبروا عمق وصلابة القلب العروبى النابض لسوريا.. الذى ا ستعاد حيويته بعد دحره الإرهاب عن بلاده، قبل أن تعود قضية تحرير الجولان إلى صدارة الاهتمام هذه الأيام، بالتزامن من ناحية مع جهود مبادرة أميركية تسعى إلى تسوية شاملة ونهائية للصراع العربى- الإسرائيلى، لا سلام من خلاله دون سوريا.. التى كان صمتها بمثابة سياسة لافتة إزاء التطبيع الإسرائيلى مؤخراً مع دول خليجية، كما بالتوازى من ناحية ثالثة مع استحداث تواجد روسيا على الحدود الشمالية لإسرائيل مع سوريا.. إذ تربطها علاقات تتسم بالتنسيق مع كل من دمشق وتل أبيب، كما قد يكون فى الإمكان حينئذ الاستغناء عن التواجد الإيرانى، ووكلائها، فى سوريا، وهى ملفات تمثل نقاط تقاطع لسياسات أميركية- روسية- إسرائيلية، ربما فى صفقة كبرى تشمل خروج جميع القوات الأجنبية من سوريا.
إلى ذلك وفى سياقه، تبدو سوريا كأنها على وشك الخروج من صندوق «العزلة الأميركية» الذى ضيّق عليها منذ 1967، وهى لا تزال تحمل السلاح- كمصر- لم تسقطه من يدها.. رغم تتابع الأزمات لما يزيد على نصف قرن، بفضل صلابة شعبها.. ومهارة دبلوماسيتها.. والتفاف الجماهير حول تنظيمها السياسى «القائد» رغم ما يؤخذ عليه من سلبيات طوال الحقبة السابقة، ناهيك عن موقف روسيا الثابت فى حرصها على دوام الصداقة مع سوريا رغم المحن التى اعترضت مسيرتها العالمية والإقليمية، ولتستعيد من ثم ما يمكن تسميته حلا سحريا للحالة السورية.. يجمع بين كل من السيادة والمصالح الجيوسياسية.. والترتيبات الأمنية، عبر خطوة أكبر من دمشق وتل أبيب، وما إليهما من عوامل افتقاد الثقة بينهما.. إذ لن تعترض طويلًا استثنائية تسوية الترتيبات الفنية والأمنية فحسب فى الجولان، وهى الأقل تعقيداً عن تسوية العنصرية الصهيونية فى الضفة الغربية التى من المعتقد توازيها – كضرورة جيوسياسية – مع مزيج التربة اللبنانية فى نهاية الشوط السورى، فإذا صح القول بأن لا حرب بغير مصر – وهو صحيح – فإنه لا سلام بدون سوريا