كان من الطبيعى لمجتمع الحرب الذى اختارته إسرائيل منهاجًا لدولتها منذ زرعها فى فلسطين 1948، أن تحاصرها دول الطوق العربى فى الإطار المباشر «عدائيًّا»، وأن تلجأ من ثم فى سبيل الإفلات من وطأته.. للتوجه آنئذ لدعم علاقاتها مع دول النسق التالى غير المباشر عربيًّا- تركيا وإيران فى السياق الغربى وعلى أطراف المنطقة- كأول دولتين إسلاميتين تعترفان بها، ومن غير استثناء الحبشة- كدول أعالى الأنهار مع تركيا من النيل للفرات- لولا إيجابية الدبلوماسية الدافئة لمصر الستينيات مع الإمبراطور الإثيوبى، ذلك قبل تواصل عصر من الحروب لنحو ربع قرن بين الجانبين العربى والصهيونى، انحازت خلاله كل من أنقرة وطهران- بالمجمل- إلى إسرائيل.. التى اتجهت مع مصر منذ منتصف السبعينيات، لأسبابهما، إلى نهج التسوية السياسية، بمظنة تشكيلهما- وفق تصريحات مسئولين إسرائيليين عن العبقرية اليهودية والأيدى العاملة (والمال) العربي- محورًا إقليميًّا مهيمنًا ذا وضع متميز، كان طبيعيًّا أن يثير قلق الجارتين الإسلاميتين غير العربيات، وغيرتهما الدبلوماسية- من التنافس المقبل قبل أن يتطور إلى حالة من الصراع السياسى مع مطلع الثمانينيات، سواء من خلال الثورة الإيرانية أو قفز حزب العدالة والتنمية التركى إلى السلطة 2002، وبهدف تحقيق قصب السبق عن الأخريات فى الشرق الأوسط، ومن ثم إلى محاولة كل منهم إعلاء وضعيته الدولية، والعكس صحيح. إلى ذلك، مضت المشروعات التوسعية للقوميات الثلاث الرئيسيات غير العربيات إقليميًّا فى طريقها- برغم التنافس فيما بينهم- لتحقيق مكتسبات استراتيجية داخل الإقليم- بشكل أو آخر- طوال العقود الأربعة الأخيرة، خصمًا من رصيد المشروع العربى الآخذ فى التراجع، لأسبابه، بحيث أصبحت إيران ذات نفوذ طاغ فى أربع عواصم عربية، كذلك الأمر بالنسبة لتركيا فى أكثر من دولة عربية، ذلك من خلال خروقاتهما السياسية والعسكرية والأمنية فى دول عربية من شرقى السويس إلى شرق وغرب البحر المتوسط.. وفى شرق أفريقيا على طول البحر الأحمر من السودان إلى الصومال، ذلك فى الوقت الذى اكتفت الدولة العبرانية بمشاهدة تطورات الصراع الإسلامي- الإسلامى داخل الإقليم، فيما هى تنتظر عند نهاية المصب أن تأتيها جثامين خصومها فرادى، إذ تراجعت عن سابق علاقاتها الاستراتيجية مع كل من إيران وتركيا، فيما تتنامى محاولاتها التطبيعية مع دول عربية تغيرت مصادر تهديدها الإقليمى، فيما كفت يدها عن شبه جزير سيناء.. كى تتفرغ مصر لمكافحة الإرهاب فى صحاريها، وما إلى ذلك من مقاربات أقرب إلى الهدنة المنعقدة بينهما ومع كل من سوريا ولبنان فى «رودس» 1949 دون تسويات سلمية لأراضيهما المحتلة منذ 1967حتى الآن، بحيث لم يعد يشغل إسرائيل- إلى حين- سوى محاولات معالجة القنبلة الفلسطينية داخل أحشائها.. تهدد بالانفجار فى أى وقت، ما ينعكس على تداعيات الفراغ السياسى الذى تعانى منه حكومتها- ذات رأسين كل منهما فى اتجاه أيديولوجى مختلف عن الآخر- تتأرجح بينهما التصورات المختلفة على الصعد المحلية والإقليمية والدولية.. عن كيفية التوصل إلى حلول نهائية للمسألة الفلسطينية، واليهودى التائه بسيان،إذ يتوازى تسويتها من وجهة نظر إسرائيل.. لما بعد أن تثخن القوميات الإسلامية داخل الإقليم بعضها البعض.. كما من بعد أن يتم لها استدراج العرب إلى «ارتجالية» التطبيع معها دون التدبر المسبق لشروطه وأهدافه وعناصره ومستقبله النهائى، إذ يمكن لها بعدئذ التفرغ لاستكمال الغايات العليا نحو بناء الدولة الصهيونية الكبرى، ما دام ليس بالضرورة (عربيًّا)وفلسطينيًا) أن يكون أصدقاؤك أعداء لأعدائك، ولا أن يكون أعداؤك أصدقاء لأصدقائك، إنما العبرة بالمواقف التى تؤيد فعلا وقولا مواقف العرب التضامنية نحو الحرية وحقوق الإنسان، وحيث ليس من الضرورة بمكان أن يكون عدو عدوى صديقى
End of current post