ما بين مأساة القرن.. وصفقته

ما بين مأساة القرن.. وصفقته
شريف عطية

شريف عطية

6:32 ص, الخميس, 5 نوفمبر 20

منذ قرن من الزمان، يزيد ثلاث سنوات، أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق، إذ صدر «وعد بلفور» نوفمبر 1917 منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود فى إقامة وطن قومى لهم فى فلسطين، إلى أن كاد يسمى قرن الصهيونية لفرط ما حققته فيه من غاياتها العليا (…)، فيما عجز المجتمع الدولى عن القيام بواجباته- وتحمل مسئولياته، سواء فى الوقوف بوجه العدوان والاحتلال، أو بتصحيح هذا الخطأ التاريخى وفق رؤية حل الدولتين، وليستمر الوضع على ما هو عليه إلى 2017 مع صدور صفقة القرن الأميركية التى حصرت مع وعد بلفور البريطاني.. الحق الفلسطينى الممتد فى التاريخ إلى عصر الكنعانيين، ومن قبل تواجد اليهود فى هذه المنطقة، فى مجرد إطار مقيد لحقوق مدنية ودينية أو بالحل الاقتصادى.. دون الحق فى تقرير المصير على أرض وطنه التاريخي، فيما يمارسون الاعتداءات أيضاً على الحاضر والمستقبل الفلسطيني، ليس آخرها محاولة التملص من تجميد «قرار الضم» لأراض فلسطينية تمتد بحدود إسرائيل شرقاً إلى الأردن، ما يؤدى بواقع التأخير فى دفع (صفقة القرن).. وإلى ما يهدد بالتوقف لمسيرة التطبيع مع العرب، خاصة فى الوقت الذى تتبارى الأحزاب الإسرائيلية للصراع فيما بينها باتجاه أقصى اليمين، إلى حد التوقع بالانقلاب على حكومة الائتلاف القائم بين حزبى الليكود والجنرالات، وصولاً ربما إلى انتخابات رابعة خلال عام ونيف، سوف تضيق بسببها نافذة الفرص- مع الوقت- لتفكيك تعقيدات المسألة الفلسطينية- الإسرائيلية، ذلك بالتوازى مع تصاعد قلق اليمين الإسرائيلى خشية رحيل الرئيس الأميركى «ترامب» الذى يبادر قادة المستوطنات بتنظيم صلوات خاصة لنصرته فى الحرم الإبراهيمي.. تستمر حتى آخر ساعة فى الانتخابات، إذ تعنى خسارته من وجهة نظرهم.. تنفيذ «بايدن» وعده الانتخابى القائل.. «على إسرائيل وقف البناء فى المستوطنات.. وإيقاف الحديث عن «ضم الأراضي».. والسماح بحل الدولتين»، فضلاً عن القلق من اتجاه «بايدن»- حال فوزه- بتسوية أوضاع بلاده مع إيران التى يتسبب وجودها فى الجنوب السوري، إضافة إلى برنامجها النووي.. لما من شأنه تعديل الشروط النهائية لصفقة القرن لغير صالح إسرائيل، التى بدورها فى خشية متزايدة مما قد يحمله إليها المستقبل من توابع رغبة الولايات المتحدة- الحزبين الجمهورى والديمقراطي- لأسبابها- فى الانسحاب التدريجى من الشرق الأوسط، أضف إلى ذلك أن الرادع النووى الذى احتكرته إسرائيل لنحو نصف قرن مضي.. لم يعد ذات سابق فعاليته فى توازن الرعب.. من حيث اتساع ملكيته- وبدائله- للجميع تقريباً، ليصبح إن جاز التعبير مجرد «خردة» يأكلها الصدى فى مستودعاتها، وليتحول الردع النووى من ثم إلى مجرد الاستخدام القومى الديموغرافى للعصىّ والحجارة، وما إلى ذلك من عوامل أخرى ليست غير بربرية، كماحدث فى هيروشيما ونجازاكى على سبيل المثال.

على صعيد مواز لما سبق من سياق، تسارع إسرائيل الفرار من تعقيدات أوضاعها الداخلية، كما من جراء التنافس التوسعى الضارى بين المشروع الصهيونى وكل من المشروعين الإيرانى والتركي، إلى نحو توظيف صفقة القرن لصالحها- فى معيّة الولايات المتحدة- سواء بالمضى فى سياسة التطبيع مع دول عربية، أو سواء لحصر مصر عن ممارسة دورها الإقليمى بأساليب وفى اتجاهات مختلفة، إيذاناً بهيمنة «الحقبة الصهيونية» على النحو الذى أشار إليه «شيمون بيريز» فى الدار البيضاء 1995، فهل اقتربت إسرائيل من تحقيق السبق إلى غايتها العليا، أم أن أصعب الحواجز آخرها.. عبر المسيرة الصهيونية ما بين مأساة القرن.. وصفقته.