لا شك أن فوز دونالد ترامب بسباق الرئاسة الأمريكية أحدث حراكًا واضطرابًا فى الأسواق المالية صعودًا لبعضها وهبوطًا للبعض الآخر، فمنذ أن تم الإعلان عن فوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى السادس من نوفمبر من العام 2024 تذبذبت الأسواق المالية والبورصات العالمية نتيجة لهذا الإعلان.
وتأتى سوق الأسهم فى مقدمة الأسواق الرابحة حيث إنها شهدت ارتفاعًا ملموسًا بعد إعلان فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية حيث إن سياسات ترامب تعزز النمو وكانت أسهم الشركات الكبرى خير دليل على ذلك مثل شركات التكنولوجيا والبناء لما حققت من مكاسب كبيرة.
يأتى ذلك فى ضوء ما وعد به ترامب سابقًا عن نيته تخفيف القيود وخفضه الضرائب على بعض الشركات الكبرى وكل هذه الأمور إيجابية وتدفع بسوق الأسهم إلى الازدهار، ثم حلت قطاعات مثل البنوك والتكنولوجيا أيضًا وحققت نموًا ملحوظًا.
ولعل أكثر الأسهم تأثرًا بفوز ترامب هى الخاصة بشركة تسلا للسيارات الكهربائية التابعة للملياردير إيلون ماسك حيث ارتفع سعرها بنسبة %14 وذلك فى يوم 6 نوفمبر 2024 وسجل السهم 288 دولارًا عقب إعلان ترامب فوزه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث قدم إيلون ماسك نحو 120 مليون دولار لدعم حملة ترامب، وفى المقابل قال ترامب إنه سيعين ماسك رئيسًا للجنة حكومية للكفاءة.
كما تأتى سوق العملات الرقمية كأعلى الأسواق الرابحة بعد فوز ترامب الذى كان قد عبر خلال حملته الانتخابية عن دعمه للأصول والعملات الرقمية، ووعد بجعل الولايات المتحدة الأمريكية “عاصمة العملات المشفرة فى الكوكب” وعن نيته فى تكوين مخزون وطنى من البيتكوين.
وهذا التصريح من ترامب جعل سعر البيتكوين يزيد بأكثر من الضعف هذا العام وارتفع بنحو %40 بعد إعلان فوز ترامب وعلى مدار أسبوعين من فوزه، حيث اقتربت البيتكوين من حاجز 100,000 دولار. وكانت البيتكوين قد سجلت سعرًا بلغ 76,500 دولار لكنها عادت للارتفاع بنحو %11 فى بعض التعاملات، لتصل إلى حوالى 89,956 دولار بعد ذلك بوقت لاحق.
كما ارتفعت أيضًا الأوراق المالية المرتبطة بالعملات المشفرة تزامنًا مع ارتفاع سعر البيتكوين، فقدت أسهم شركة مارا القابضة – التى تقوم بتعدين البيتكوين – ارتفاعًا بنحو 14 % ، كما هو الحال فى سهم شركة مايكروستراتيجى %10 لتتجاوز قيمتها السوقية 100 مليار دولار.
وتعد سوق الدولار الأمريكى من الأسواق التى تأثرت بقوة بعد إعلان فوز ترامب بالرئاسة حيث يعتبر الدولار انعكاسًا للقوة الاقتصادية الأمريكية على المستوى العالمى، وذلك فى ظل سعى إدارة ترامب إلى استقرار العملة الخضراء وجعلها عملة عالمية وحيدة تقود الاقتصاد العالمى.
فى هذا الاطار يواصل المستثمرون شراء الدولار للأسبوع السادس على التوالى منذ إعلان فوز ترامب مما أدى إلى ارتفاعه على المستوى العالمى، وعلى النقيض من ذلك تلك الفترة التى سبقت الانتخابات الأمريكية حيث تم بيع عملات مثل الين اليابانى والفرنك السويسرى بكثافة بالفعل خلال الفترة التى سبقت الانتخابات ولكن ذات العملات أخذت وضعها الطبيعى عقب الإعلان عن فوز ترامب.
أما عن الأسواق الخاسرة بعد إعلان فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية فلعل الذهب كان صاحب النصيب الأكبر من هذه الأسواق، إذ إن التأثير كان كبيرًا بالنسبة للذهب بالرغم من أنه ملاذ آمن للاستثمار ووسيلة آمنة للتحوط، حيث إن الإعلان عن فوز ترامب دفع المستثمرين إلى البيع فى أسواق الذهب مما أدى إلى كثرة المعروض وبالتالى انخفاض السعر عالميًا،
وانتهت تداولات الذهب العالمى فى نهاية شهر نوفمبر 2024 بتراجع كبير وحاد وهذا التراجع هو الأكبر منذ أربعة عشر شهرًا، بنسبة %3.4، وذلك بعد الإعلان عن فوز الرئيس الأمريكى ترامب فى الانتخابات الرئاسية.
وأدى هذا الفوز إلى ارتفاع الدولار الأمريكى بشكل قياسى، مما دفع بالذهب إلى التراجع بشكل ملحوظ، بالرغم من محاولات الأسعار الصعود فى نهاية الأسبوع.
وفى الأسبوع الأخير من نوفمبر 2024، تأثرت أسعار الذهب بالانخفاض الملحوظ، حيث انخفضت الأونصة بنسبة %2.4 لتسجل أدنى مستوياتها عند 2605 دولارات، وشهدت تداولات شهر نوفمبر تراجعًا كبيرًا أيضاً، لكن بدأ سعر أوقية الذهب فى الارتفاع لتستقر عند 2657 دولارًا وفقًا لتعاملات البورصات الدولية بداية شهر ديسمبر 2024.
ويمكن القول إنه على الرغم من أن الذهب يرتفع بفضل التوترات الجيوسياسية وخفض أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى حيث يلجأ إليه المستثمرون كملاذ آمن للاستثمار ووسيلة آمنة للتحوط، إلا أنه يواجه حاليًا ضغوطا كبيرة فى ضوء زيادة التعريفات الجمركية التى تؤدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وبالتالى يلجأ الفيدرالى الأمريكى إلى تبنى سياسة لخفض الأسعار.
لكن يبقى السؤال المهم عما سيقوم به دونالد ترامب من سياسات اقتصادية مستقبلية بدايةً من 20 يناير 2025 وهو التاريخ المحدد وفقًا للدستور الأمريكى لتنصيبه رئيسًا للمرة الثانية، ومدى تأثير تلك السياسات سلبًا أو إيجابًا على الأسواق المالية سواءً الأمريكية أو العالمية بعد ذلك؟ وهل ما سيقوم به ترامب سيكون كافيًا لكبح جماح التضخم أو خفضه؟ وفى المقابل تثبيت أو خفض سعر الفائدة، وما لهذه القرارات الاقتصادية من تأثيرات واضحة على المواطن الأمريكى نفسه ومدى قدرته على تحمل تبعات تلك السياسات والأزمات.
انتهى،،
شركة/ زيلا كابيتال للاستثمارات المالية