أثار توجه البنوك المصرية نحو التوسع خارجيًا واختراق أسواق جديدة خلال السنوات الماضية؛ من خلال الحصول على رخص فرع بنك أجنبى أو امتلاك وحدة مصرفية كاملة، التساؤل حول مردود تلك الخطوة على القطاع المصرفى المصرى والاقتصاد ككل خلال الفترة المقبلة، والمنتظر من تلك التحركات.
يرى مصرفيون أن التوسع الجغرافى للبنوك المصرية خارجيًا يخلق المزيد من الفرص على مستوى القطاع المصرفى والاقتصاد المصرى، وسيكون له نتائج إيجابية ويحقق قيمة مضافة من خلال التوسع فى دعم اختراق الأسواق التصديرية، وجذب رؤوس أموال وعملة صعبة من بلدان التوسع، بجانب زيادة معدلات النمو والأرباح للبنك الأم وتوسيع قاعدة عملائه وحجم الأعمال.
وأضافوا أن أولوية توسع البنوك المصرية خارجيًا ترتكز على قارة أفريقيا ومنطقة الخليج العربى، خاصة أنهما تعدان مجالًا حيويًا وإمتدادا جغرافيا لمصر، فى ظل وجود العديد من الاتفاقيات والمصالح المتبادلة، بجانب وجود جاليات مصرية كبيرة يشكلون قاعدة عملاء محتملين فى منطقة الخليج.
وحصل بنك مصر مؤخراً على موافقة من مجلس الوزراء السعودى بشأن رخصة افتتاح فرع فى المملكة العربية السعودية، كما حصل البنك الأهلى المصرى على الموافقات اللازمة من جنوب السودان لافتتاح فرع فى جوبا برأس مال يبلغ 30 مليون دولار.
كما يخطط بنك مصر للحصول على رخصة فرع فى مركز دبى المالى العالمى، وفقًا لما قاله عاكف المغربى نائب رئيس مجلس إدارة البنك لـ«المال».
وقال شريف سامى، رئيس مجلس إدارة البنك التجارى الدولى لـ«المال»، إن تحرك البنوك المصرية خارجيًا، عبر الاستحواذ على بنوك قائمة، أو افتتاح فروع تابعة لها فى بلدان مجاورة، من شأنه أن يرفع نشاط تلك البنوك، ويزيد حجم التبادل التجارى بين بلد المصرف الأم وبلد التوسع، بالإضافة إلى نقل الخبرات المصرفية والتوسع فى الخدمات.
وأضاف سامى أنَّ من الضرورى دراسة المجال الحيوى للقطاع قبل إتخاذ خطوة التوسع لتعظيم المردود الاقتصادى من تلك الخطوة، مشيرًا إلى أن «التجارى الدولى» يستهدف التوسع فى شرق أفريقيا، لوجود علاقات اقتصادية بين مصر وتلك المنطقة، إزدادت بانضمام مصر إلى منظمة الكوميسا.
وأعلن البنك التجارى الدولى العام الماضى عن استحواذه على %51 من بنك ماى فير الكينى، المالك لنحو 5 فروع محلية، ويركز على العملاء أصحاب الثروات الكبيرة، ويستحوذ على حصة سوقية %0.17 من السوق الكينية.
وكشف شريف سامى لـ«المال»، عن وضع الإدارة التنفيذية لمصرفه خطة توسعية طموحة فى القارة السمراء، مؤكداً على أن الاستحواذ على بنك «ماى فير» الكينى مجرد خطوة أولى.
وبحسب بيان صادر من البنك التجارى الدولى فى أبريل 2020، تأتى خطوة الاستحواذ مكملةً لخطط التوسع فى أفريقيا والتى يسعى البنك من خلالها إلى استطلاع وتقييم فرص الاستثمار المتاحة فى القارة الأفريقية له ولعملائه والاستفادة من جهود التكامل الإقليمى والقارى ودعم التجارة البينية بين دول القارة خاصة فى ظل عضوية مصر وكينيا للسوق المشتركة لأفريقيا الشرقية والجنوبية (الكوميسا) واتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية.
ميرفت سلطان: التواجد الخارجى يجمع بين تنمية الأعمال والتجارة
وقالت ميرفت سلطان، رئيس مجلس إدارة البنك المصرى لتنمية الصادرات، إنَّ التوجه الحالى نحو التواجد المصرفى فى العالم الخارجى، سيساعد على تسهيل أعمال التجارة المصرية وزيادة حجم الصادرات الوطنية، وتيسير أعمال المستثمرين فى الخارج، واختراق أسواق جديدة للتصدير.
وأكدت ميرفت سلطان على ضرورة أن يجمع التواجد المصرفى الخارجى للبنوك الوطنية، بين تنمية الأعمال والتجارة المصرية فى الخارج، وضخ مزيد من الاستثمارات الوطنية فى دول التوسع.
وأشارت إلى أن من الأهمية استغلال التواجد الفعلى للبنوك المصرية فى الخارج، لتكون قاعدة للانطلاق خارجيًا، وذلك عبر شبكة الفروع ومكاتب التمثيل المصرفى لأكبر بنوك حكومية؛ الأهلى المصرى ومصر على سبيل المثال، وافتتاح فروع جديدة، أو عبر صفقات الاستحواذ، بهدف الانتشار خارج نطاق الدولة الأم، للوصول إلى كيانات مصرفية إقليمية تنافس البنوك الدولية،.
وأكدت على حرص مصرفها على دعم شبكة المراسلين الخاصة به، والتى من خلالها تتم جميع أعمال المصدّرين، وهى شبكة تمتاز بالقوة والانتشار عبر دول العالم، مستبعدة إتجاه البنك المصرى لتنمية الصادرات للتوسع خارجياً.
وترى ميرفت سلطان، أن الاقتصاد سيستفيد بشكل عام، والقطاع المصرفى على وجه الخصوص، من التوسع الجغرافى، خاصة أن المؤسسات المالية تصبح مصدرا للعملة الصعبة، مع جذب شريحة عملاء جدد، وتوسيع قاعدة العملاء الحاليين، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية.
ونصحت رئيس البنك المصرى لتنمية الصادرات، بإعداد دراسات جيدة قبل اتخاذ تلك الخطوة، والدخول فى سوق جديدة لها قوانين مختلفة تحكمها، لافتةً إلى أن كثيرا من دول الجوار، خاصة الأفريقية، تعانى من اضطرابات سياسية، قد تؤثر على انهيار المنظومة النقدية والمصرفية، ما يشكل خطر وتهديدا لرؤوس الأموال، لذلك يجب إعداد دراسات لمخاطر الائتمان والعملة، ودراسة السوق والنظام القانونى لبلد التوسع، خاصة القوانين الحاكمة للقطاع المصرفى.
ويمتلك بنك القاهرة %100 من بنك «القاهرة – أوغندا» بعد شراء حصة بنكى الأهلى ومصر البالغة %40 فى عام 2019.
حازم حجازى: توجه يأتى ضمن خطة استراتيجية تحقق أهداف الدولة وتوجهاتها
ويرى حازم حجازى، نائب رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة، أنَّ توجه البنوك المصرية للتوسع خارج البلاد، فرصة جيدة يجب أن تُدرس بعناية، وتسير وفق خطة استراتيجية تحقق أهداف الدولة وتوجهاتها؛ خاصة التوسع الإقليمى نحو أفريقيا، قبلة الاستثمارات العالمية، الذى يساعد على تسهيل وتنشيط التجارة البينية مع أفريقيا وفتح آفاق جديدة لعمليات التصدير، وكذلك التوسع فى منطقة الخليج العربى، حيث يعمل أكثر من 8 ملايين مصرى، وتساهم تحويلات المصريين العاملين بالخارج بحصة كبيرة من الدخل القومى.
وأكد حجازى على امتلاك مصرفه شبكة فروع إقليمية قوية، وأن تلك الخطوة تأتى ضمن أولويات مصرفه، بجانب استحواذه على %100 من بنك القاهرة أوغندا، خلال العام قبل الماضى، إضافة إلى عدة مكاتب للتمثيل المصرفى، منتشرة فى العديد من العواصم العربية والأجنبية الهامة، مثل مكتب بنك القاهرة فى دبى.
ويعد بنك «القاهرة-أوغندا» أكبر استثمارات بنك القاهرة فى الخارج، وهو مصرف مستقل بذاته، ويمتلك عدة فروع، وليس مجرد فرع تابع لبنك القاهرة الأم، كما سيتم رفع رأس مال البنك الأوغندى إلى 19.4 مليون دولار، بنهاية يونيو المقبل، تدعيمًا لقاعدته الرأسمالية.
محمد عبدالعال: التواجد إقليميا يسهل إجراء التسويات وسرعة إتمام عمليات التبادل
وقال محمد عبد العال، الخبير المصرفى والعضو السابق فى مجلس إدارة بنك قناة السويس، إن توسع البنوك المصرية خارج نطاق الجمهورية، يحقق قيمة مضافة للجهاز المصرفى، منها سرعة إنهاء الإجراءات الخاصة بالتسويات التجارية والصفقات والتحويلات وتوفير المصروفات، بالإضافة إلى رفع كفاءة الخدمات المصرفية المقدمة إلى المواطنين فى الخارج، وسرعة فى سداد الاعتمادات المستندية المفتوحة، وتوسيع نطاق الأعمال بشكل عام، سواء مع التجارى والمصرفى من خلال فرع البنك الوطنى.
وأضاف أن التبادل المتكافئ فى العلاقات الاقتصادية الدولية، أهم مردود إيجابى من توسع البنوك الوطنية فى الخارج، مستنداً فى ذلك إلى مبدأ التعامل بالمثل، وسماح البنوك المركزية الأجنبية للبنوك الوطنية بفتح فروع إقليمية ودولية تابعة لها.
واستطرد، «علينا استغلال تواجد بنوك أجنبية على أرض الوطن، فى التوسع فى تلك البلدان، حيث يسهل الحصول على موافقة البنوك المركزية التابعة لها، وبالتالى إنشاء مكاتب تمثيل أو فروع تابعة للبنك الرئيسى، أو حتى مؤسسة مصرفية مملوكة بالكامل للمركزى الرئيسي».
وأكد على أن التواجد المصرفى المصرى فى الخارج سيسهل إجراء التسويات البنكية فى الخارج، وإنهاء التسويات الخاصة بالتبادل التجارى الدولى، وعلى مستوى الأفراد، سيسهل إجراء المعاملات المالية والتحويلات، فالأفضل أن يتعامل المواطن المصرى مع فرع البنك الأهلى فى السعودية، بدلاً من تعامله مع الريال السعودى عبر مراسلين فى المملكة.
ويرى أن التقارب الاقتصادى والانفتاح على السوق الأفريقية وتشجيع الصادرات المصرية إلى الخارج، يقتضى بالضرورة تقاربا مصرفيا لتسهيل عمليات التجارة الدولية، وتمويل المشروعات المشتركة التى تتم فى نطاق التعاون المشترك بين مصر والبلدان المجاورة.
وأشار محمد عبدالعال إلى أن عضوية مصر فى الإتحاد الأفريقي؛ الذى يطمح إلى إنشاء اتحاد نقدى وبنك مركزى أفريقى موحد، سيسهل التعاون المصرى الأفريقى المشترك، على المستوى النقدى.
فيما، أكد طارق متولى، الخبير المصرفى، ونائب رئيس بنك بلوم السابق، على القيمة المضافة والمردود الإيجابى على القطاع المصرفى المصرى، من تواجد البنوك المحلية خارجياً؛ خاصة التوسع خارجياً فى مجال الامتداد الطبيعى للبلاد.
ويرى متولى أنَّ ما تملكه مصر من كوادر مصرفية وخبرة تمتد إلى أكثر من 100 عام فى القطاع، عوامل تؤهل القطاع المصرفى المصرى للريادة فى المنطقة العربية والأفريقية.
وقال إن العائد اقتصادى فى المقام الأول من التوسع الخارجى للبنوك المصرية، مثل اقتناص الفرص الاستثمارية الجيدة، ورفع حجم التبادل التجارى، ومنح التسهيلات الائتمانية للمستثمرين والعمالة المصرية فى البلدان العربية والأفريقية، خاصة فى القارة السمراء، التى تربطنا بها مصالح وعلاقات اقتصادية وحيوية.
ويرى ضرورة وضع استراتيجية كاملة للقطاع المصرفى للتواجد خارجياً فى الفترة المقبلة، لافتاً إلى أن البنوك الحكومية وبعض البنوك الخاصة التى تستحوذ على أكبر حصة من الأصول، تمتلك القدرة على تنفيذ تلك الخطوة.