خاضت تجربة أن تتصدر إحدى مستشفياتها أول معركة للعزل ضد كورونا فى مصر، وتصدر أهلها مرارا إحصائيات الأقل إصابة على مستوى المحافظات الـ 27، وظلت أمواج شواطئها رغم التدابير مأوى لعشاق مصيفها الخلاب، دون تعطل العمل الوحيد الجارى إنشاؤه بالبلاد وبلا توقف مخططها غير المسبوق بشأن ساحلها «المالديفي» أو تعثر إحياء مزارتها السياحية التاريخية.
بهذه المكاسب «السمان»، كانت مطروح ، ثانى أكبر محافظات مصر، وكنزها الاقتصادي غربا، وفق مصادر متطابقة، تشقّ بإجراءات احترازية ومشروعات وقرارات مفصيلية، طريق التغلب على نحو 9 أشهر «عجاف»، شهدت عالميا تراجعا وركودا بقطاعات اقتصادية جراء الوباء الذى يظهر لقاحه بنهاية العام.
ويستكشف تحقيق «المال» المدعوم بإحصائيات، خط سير»مطروح» وسط ألغام «كورونا» منذ أواخر فبراير وحتى نهاية العام، باعتبارها أول محافظة تصدرت «الحرب» ضد الجائحة، واستطاعت جني مكاسب لاحت بشكل لافت من بين التراجعات .
أولا: «كنوز» مطروح
وفق إحصائيات لوزارة البيئة وجهاز التعبئة والإحصاء، تنقسم المحافظة التى تقع فى الركن الشمالي الغربي إلى 8 مراكز هي: مرسى مطروح (العاصمة)، والحمام والعلمين (تشهد مشروعا عمرانيا ضخما)، والضبعة (مقر المفاعل النووي)، والنجيلة(استضافت أول مستشفى عزل بمصر)، وبراني، والسلوم، وسيوة.
وتمتد بطول 450 كم على ساحل البحر المتوسط ويحدها غربا ليبيا، وبمساحة حوالى 166563 كم 2، تمثل 16.6 بالمئة من إجمالي مساحة الجمهورية، وبتعداد سكانى يتجاوز 487 ألفا، وتواجد 5 قبائل رئيسية أبرزهم «أولاد علي».
وتنقسم مطروح إلى 5 مناطق جغرافية، أبرزها منطقة ساحل المتوسط ومنخفض القطارة الذى يخضع لدراسة لإٌقامة مشروع توليد كهرباء بجانب منطقة بحر الرمال الأعظم.
وتتميز بعدد من الخلجان والمحميات، ومنتجعات ساحلية وشواطئ تعرف بمياهها الفيروزية ورمالها البيضاء الناعمة والتى تشهد تدفقات فى موسم الصيف.
ووضعتها خريطة مصر الاقتصادية (2018) من المحافظات الخمس الأكثر نمو فى الفترة من بين 2013 و2018 فى أعداد المشتغلين، بينما مخططها الاستراتيجى حتى 2032 الذى أعدته هيئة التخطيط العمرانى فى 2016 يؤكد أن تنميتها تساوي تنمية مصر باعتبارها تمتلك مقومات النجاح لخلق فرص عمل جديدة وجذب للسكان والمستثمرين».
والأنشطة الرئيسية وفق المخطط هي: الزراعة والصيد (%34.8 من العمالة)، والخدمات الاجتماعية (23%) والتجارة والفنادق (41.1)، فضلا على أنها تعد ثاني محافظات مصر من حيث المواقع القابلة لإنتاج الطاقة من الرياح، ولها دور هام مستقبلى للربط بين الظهير القومي ودول الغرب وشمال البحر المتوسط.
ثانيا: مكاسب «سمان»
ليس كل أزمة تقف على أعتاب خسائر فقط، فوفق فترة الرصد والمصادر نجحت محافظة مطروح فى تحقيق بعض المكاسب اللافتة.
1: الأول عزلا ومن المحافظات الأقل إصابة
غربي مدينة مرسى مطروح بـ 70 كيلومترا، اختيرت مستشفى النجيلة كأول مقر طبي للعزل على مستوى الجمهورية من بين 320 خصصوا لاحقا، ودخلت الخدمة، 3 فبراير مع وصول نحو 300 من المصريين القادمين من مدينة ووهان الصينية»، منبع الوباء إلى مطار العلمين الدولي، واستقبلت بعدها نحو 280 مصابا حتى يوم 27 يونيو، وفق تصريحات متلفزة لمديرها السابق محمد علي.
وكان اختيار بصدارة «الحرب ضد كورونا» كما يعتبرها «علي»، لأسباب ذكرتها وزيرة الصحة هالة زايد فى 3 فبراير الماضي، ترجع لكونها مكانا جيد التهوية وبعيدا عن التلوث ويقع بالقرب مطار يسع لطائرات كبيرة، فى إشارة للعلمين.
وعن الوضع الصحى ومؤشر الإصابات، خلال الأشهر التسعة، قال مصدر مسؤول فى محافظة مطروح، لـ»المال» متحفظا على ذكر اسمه، إنه يحسب للمحافظة أنها جهزت فيها أول مستشفى عزل بمصر، وكانت من أقل المحافظات فى معدلات الفيروس، ولكن صعدت فى نوفمبر الماضي، وعادت فى ديسمبر للتراجع، متحفظا على ذكر إحصائيات.
ووفق بيانات رسمية، كانت مطروح فى ذيل قائمة إصابات الجمهورية وفق إحصاء لمنظمة الصحة العالمية فى 4 مايو الماضي، وصنفت رسميا من وزارة مرارا لاسيما فى شهرى مايو ويونيو بأنها من أقل المحافظات إصابة باستثناء 12 نوفمبر سجلت بالمرتبة الرابعة، وفى المرتبة 22 (من بين 27) حتى 22 ديسمبر.
2 – فك اشتباك «الساحل» لتحقيق «علمين» جديدة
على مدار أشهر كورونا، لم يتخلف ملف الساحل الشمالى الغربى (160 ألف كم 2) أحد كنوز محافظة مطروح عن المتابعة الحكومية، على أمل أن تتكرر تجربة «»، قبل أن يفض الاشتباك بين الجهات المسؤولة عنه ويتم حصره بشكل كبير عند هيئة المجتمعات العمرانية لاسيما فى استصدار التراخيص، وطرح الأراضى وتقييم المطورين والشركات.
3 ملايين نسمة من المخطط أن تستوعبها مدينة العلمين الجديدة
ومدينة العلمين الجديدة (مساحتها حوالى 48 ألف فدان وتستوعب أكثر من 3 ملايين نسمة) تتشابه مع العاصمة الإدارية، واعتبرها مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، عقب جولة تفقدية فى 30 يوليو الماضي، بأنها «درة البحر المتوسط»، ونواة حقيقية لتنمية الساحل الشمالي الغربي لإقامة تجمعات عمرانية مماثلة، ومشروعات تنمية زراعية وسياحية.
وجاء حديث مدبولي بعد نحو شهر من تأكيده على أن منطقة الساحل الشمالي الغربي، ستكون منطقة جذب للعديد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.
ولدعم الشبكة القومية بمنطقة الساحل الشمالي، أعلنت الشركة المصرية لنقل الكهرباء فى 13 يوليو الماضي، اعتزامها إنشاء محطة محولات الضبعة، بديلا عن المحطة المؤقتة القائمة، بقيمة إجمالية 303 ملايين جنيه بمدة تنفيذ تصل إلى عام.
وفى تصريحات لـ»المال»، فى 22 سبتمبر الماضي، كشف الملياردير المصري، ، رئيس مجلس إدارة، عن حصول الشركة من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على 400 فدان فى الساحل الشمالي بجانب طلب 200 فدان أخرى، بغرض تنفيذ مشروع سياحى متكامل، على أن يبدأ التنفيذ فى أقرب وقت.
وكان ساويرس أحد أبرز مجموعة من كبار رجال الأعمال تفاوضت معهم الهيئة، بحسب تحدثت لـ»المال» فى 17 ديسمبر الماضي.
3 – الضبعة لا تتوقف
ردا على تقارير إعلامية دولية فى أبريل الماضي، قال أمجد الوكيل، رئيس هيئة المحطات النووية، المسئولة عن تشغيل إن العمل داخل الموقع لا يزال قائما ويسير بخطى واضحة وبشكل آمن، نافيا وجود إصابات كورونا داخله..
وفى 10 ديسمبر الجارى أكد الوكيل، أن الشركة الروسية تعمل بكامل طاقتها بموقع المحطة منعاً لأى تأخير بالجدول الزمني رغم الظروف الحالية المتمثلة فى إغلاق أغلب الدول مجالها الجوى فى إطار الحد من انتشار فيروس كورونا.
4 – السياحة تتعايش وتجذب «براند» عالميا
أيمن جاد، مدير مكتب وزارة السياحة والآثار بمحافظة مطروح، قال لـ»المال»، إن العالم كله تأثر فى ظل كورونا، والحركة كانت أفضل مما كنا نتوقع، ورأينا الناس تتعايش وتتواجد فى مطروح والساحل».
وأضاف: «لا يجب أن ننسى أن هناك إجراءات احترازية اشترطت العمل بالقطاع السياحى بطاقة 25 بالمئة ثم 50 بالمئة، وبالتالى لو كان المعدل العام الماضى كان 60 و70 بالمئة فإن معدل 30 و 35 بالمئة يعادله».
ونبه إلى تحقيق نجاح فى ظل هذه الأزمة يتمثل فى أن 24 فندقا كان يعمل من بين 34 لم يسجل حالة كورونا واحدة فيه، نتيجة التفتيش المفاجئ والمستمر.تنفيذا لتوجيهات وزير السياحة، خالد العناني، ومتابعة مطروح،
وأوضح أن مطروح حصلت %65 من فنادقها على شهادة سلامة صحية، وكانت ضمن 3 أول محافظات اختيرت لاستقبال الطيران من الخارج.
وأشار إلى أن وزير السياحة خالد العناني، زار المحافظة فى أقل من 6 شهور 4 مرات، ولهذا دلالة مهمة وكاشفة على أن القيادة السياسية والوزارة لديها اهتمام كبير ولافت بمحافظة شعارها السحر والجمال وتتميز بساحلها المالديفي، وقلعتها الخلابة بسيوة وتشمل كل أنماط السياحة.
وكشف أن الوزير والمحافظ خلال هذه المرات، رغم ظروف كورونا، افتتحا مشروعات تطوير بينها متحفا روميل ومطروح الأثري وافتتحا تعد براند عالميا والأولى بمصر بعد الإمارات، بجانب افتتاح قلعة شالي التاريخية بدعم أوروبي ضمن مخطط لتطوير سيوة.
وتوقع أن الموسم السياحى المقبل بمطروح لو انتهت كورونا سيكون«مكتسحا وأكثر مما هو متوقع»، سواء للسياحة الداخلية أو الأوروبيين لاسيما الإيطاليين، مؤكدا أن المحافظة «كنز اقتصادى وقاطرة التنمية بمصر السنين المقبلة».
ثالثا: أشهر عجاف ترحل وآمال منتظرة
فى هذا الصدد، قال جمال حماد نائب رئيس الغرفة التجارية فى محافظة مطروح، لـ»المال»، إن المحافظة تأثرت فى معظم الأنشطة الاقتصادية مثل الجميع، لاسيما فى موسم أشهر الصيف.
وعن التقارير التى تشير لتقديرات تراجع بنسبة بين 20 و70 بالمئة فى خلال تلك الفترة، تحفظ حماد عن تأكيد ذلك، موضحا أن الأمر سيكون غير دقيق خاصة وأن أزمة كورونا شهدت تقلبات، متوقعا مع ذهاب الوباء أن تعود الأمور إلى طبيعتها وازدهارها.
ونبه إلى أن الأزمة عالمية وليست محلية، داعيا للتفاؤل بمستقبل مطروح باعتبارها ستكون كنزا اقتصاديا لما فيها من مشاريع عملاقة تحت الإنشاء ومناطق واعدة، ستدر عائدا كبير للدولة وليس للمحافظة فقط.
هذا التفاؤل الذى يراه حماد، يؤكد عليه خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، قائلا لـ«المال»: «محافظة مطروح التى أهملت قبل عقود مضت، اليوم الدولة بدأت توليها اهتماما لتحقيق التنمية وتحقيق فارق عبر إنشاء مفاعل الضبعة النووى وإنشاء المعمار الحديث على الساحل السوق العقارى الواعد، وتطوير مطار وميناء بحري فى ظل قدرتها على الربط التجاري الغربي مع ليبيا».
وأكد أن كورونا ستكون من الأزمات العابرة بعدما تضرر الجميع منها، ومطروح وإن كانت تعتمد على فى المقام الأول على السياحة ولكن بعد البنية التحتية والنقلة الحضارية فالسياحة لن تكون المورد الأول، ستوجد قطاعات أخرى من شأنها أن تحدث فارقا.
واعتبر الحديث عن أن مطروح كنز اقتصادى ليس فيه مبالغة، متوقعا أن تحدث إمكانياتها الموجودة مع الإرادة السياسية نقلة ومعدلات نمو وإسهام فى حجم الناتج القومي بشكل غير مسبوق وبقيمة غير متوقعة.