فى ضوء التحولات الحادة التى تحدث فى الولايات المتحدة، سواء اكتسب «ترامب» فترة رئاسية ثانية، وأخيرة، أو سواء فاز «بايدن» عن الحزب الديمقراطى الأكثر وضوحاً لجهة تطويع الاستعمال السياسى للإسلام ضمن الإستراتيجية الغربية، ومقارنة بالصمت الذى يلتزمه «ترامب» إزاء تصورات المؤسسات الأميركية المؤيدة لرؤية الديمقراطيين فى هذا الشأن ذات الطبيعة المتجذرة تاريخياً فى السياسة الخارجية الأميركية، على غرار بريطانيا، من بعد الحربين العالميتين الأخيرتين، مروراً إلى الحضور الدينى فى الخطاب السياسى الأميركي، ولا سيما بعد تسييسه فى السبعينيات، حيث بات يمارس دوراً كبيراً فى السياستين الداخلية والخارجية والأميركية، لذلك فإنه يجدر لمراكز الفكر السياسى العربية، والمصرية على وجه الخصوص، تبنى دراسة ما يمكن أن تصبح عليه تصوراتها بالنسبة لعلاقة الغرب مع الإسلام السياسى فى السنوات المقبلة، كجسر «معدل» بين الحاضر والمستقبل، الأمر الذى لا يتعلق فحسب بمراجعة طبيعة العلاقات المصرية- الأميركية فقط، بقدر ارتباطه أيضاً بطبيعة ونوايا المخططات الغربية فى المحيط الإقليمى بوجه عام، خاصة مع التحلل الجارى الملحوظ فى بنية النظام العالمى القديم- بتراتبياته المألوفة منذ القرن 19 (ثلاثة ضد واحد) إلى الثنائية الأوروبية (الفترة بين الحربين العالميتين) ومن بعدهما إلى الثنائية الأميركية- السوفيتية.. وصولاً إلى الأحادية الأميركية عشية تسعينيات القرن العشرين إلى اليوم، وحيث تقلبت خلال هذه الحقب ما يطلق عليه «الخلافة الإسلامية» ما بين هيمنة الإمبراطورية العثمانية إلى محاولات الغرب إعادة إحيائها ضمن إستراتيجيته الكونية، قبل أن تصبح بمثابة موضع صراع أيديولوجى وجيوسياسى واقتصادى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى السابق، ذلك فى إطار بحث القوى العظمى عن كيفية استعماله سياسياً لتحقيق التفوق من أجل الهيمنة على منافسيها، الأمر الذى لم يعد اليوم ممكناً كما كان خلال الحرب الباردة التى آذنت نهاياتها الأيديولوجية ببروز حقبة مختلفة من الوعى الإنسانى العالمى الجديد- تفشت فيها الأنانية القومية، ما يدفع الدول على اختلافها نحو المزيد من رغبة الاستقلال فى صنع القرار، خشية الذوبان فى الآخر، وحفاظاً على البقاء إزاء التناقضات المعقدة والتحديات والتهديدات التى بات يتعرض لها العالم الحديث عبر سباق مجتمعى ينحصر على هامش خمسة من التطورات المستجدة من الديمقراطية- آليات السوق الحرة- علاقات السلاح- حقوق الإنسان- البيئة، إذ تتباين بشأنهم النماذج القيمية ما بين الدول البيروقراطية اللا ليبرالية.. وبين الدول الديمقراطية ذات لنموذج الغربى التى باتت مؤخراً محل اجتياح شعبوي، ما يفاقم عاجلاً أو آجلاً التناقضات الجارية.. سواء بين الدول أو الأجيال بعضها البعض، وصولاً إلى عالم خال من التواصل.. يطلق عليه المراقبون فى الاجتماع السياسى «اللا تلامسي»، حيث تحدث عبر أحد منتدياتهم وزير الخارجية الروسى «لافروف» عن اعتقاده أن العالم يمر بـ«عملية تحول عميق» تواجه مقاومة بالدرجة الأولى من الدول الغربية، كما يؤدى من جانب آخر – وفقاً لرئيسة المفوضية الأوروبية- إلى تراجع الشراكة الجيوسياسية بين أوروبا والسلطة الروسية، بحيث لم يعد يتضح كيف ستكون عواقب هذا «اللا تلامس» بين الجانبين، رغم تعاونهما بشكل بناء- كشريكين- فى عدد من الملفات، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، منها على سبيل المثال اتفاقهما مع الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا ودول من الاتحاد الأوروبي- حول إدانة ورفض سياسات تركيا فى بعض الأزمات الإقليمية، ذلك فى إطار الدبلوماسية الشرق أوسطية التى أصبح من المحال لرأى أى محلل الاعتراض على أن روسيا اليوم هى بلا شك القوة العالمية الوحيدة التى تحافظ بنجاح على علاقات شراكة مع جميع دول الشرق الأوسط، بما فيها تلك الدول التى تعيش حالة من العداء فيما بينها، ذلك من بعد أن أولت موسكو «المنفتحة غير الأيديولوجية» ظهرها لسابق مبدئيات الأممية السوفيتية، خاصة فى عصر المناورات الدبلوماسية العاصفة الجارية اليوم مرة أخرى فى الشرق الأوسط، حيث على الدبلوماسى الجيد، برأى أحد كبار الساسة البريطانيين، التذكر دائماً أنه يجب أن ينسى». فى سياق ما سبق من تطورات دولية وإقليمية، من الواجب على مصر «العربية» إزاء الأحداث الجارية بوجه خاص على مستوى العلاقات بين واشنطن وموسكو (وحلفائهما)، معاودة دراسة وضعية مقاربة التفضيل بينهما، لكن دون التصادم أو التماهى مع أحدهما على حساب الآخر، على غرار ما كان منها حيالهما فى الستينيات أو السبعينيات إلى نهاية القرن الماضي، وأيضاً دون أن يروج الوكلاء المحليون لأيهما.. كما يشرع البعض منذ أيام عبر الفضائيات.. للتبشير بفوز مرشح الديمقراطيين بالرئاسة الأميركية الذى يصف المرشح المنافس الجمهورى بـ«كلب بوتين» رغم مسئولية «ترامب» عن 46 قراراً معادياً لروسيا، ما يلزم أن تبقى مصر على الحياد، سواء بين الحزبين الديمقراطى والجمهوري، فكلاهما لا يتوانيان- مع تباينهما- عن تطويع الاستعمال السياسى للإسلام لغير صالح دول الإقليم، المنشغلة بدورها بحروب أهلية وبينية، وفى التصدى لتوسعات كل من النفوذ الإيرانى والإسرائيلى ولمخاطرهما النووية، ناهيك عن مواجهة الطموحات الإمبريالية للعثمانية الإخوانية، أو سواء بالنسبة لعدم التدخل فى العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ إن ما بينهما على الصعيد العالمى أبعد من أن تحيط به السياسات الخارجية لدول الإقليم، باستثناء ما يتصل مباشرة بالمسئولية الوطنية فى مواجهة منظومة «الحلول الوسط» للحزبين الأميركيين الكبيرين، ولتشكيل سياستهما الدبلوماسية والعسكرية فى كل أنحاء الشرق الأوسط
شريف عطية
7:34 ص, الأحد, 25 أكتوبر 20
End of current post