عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، مؤتمرًا صحفيًّا، اليوم، بمقر رئاسة مجلس الوزراء، لتوضيح أبعاد قضية البناء العشوائي المخالف في المدن والقرى أمام المواطنين، وما يخص تطبيق قانون التصالح في بعض مخالفات البناء ، وحضر خلال المؤتمر اللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية، والدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وأسامة هيكل وزير الدولة للإعلام، والسيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي.
وبدأ رئيس الوزراء المؤتمر الصحفي، بالإشارة إلى أن عقد هذا المؤتمر يأتي في إطار التحاور مع مواطنينا وأهالينا بكافة ربوع مصر حول قضية من القضايا التي شغلت الرأي العام خلال الفترة الماضية وهي التصالح مع مخالفات البناء سواء في المدن أو في القرى.
وأكد أن هذا التحاور يأتي في إطار توجه الدولة والحكومة بضرورة مناقشة واستعراض القضايا التي تهم المواطنين بكل شفافية ووضوح، وأن هذا ما تم في التعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد والإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الصدد، لتوضيح كافة الأمور المتعلقة بهذه القضايا، وشرح توجهات الدولة والتحديات التي تواجهنا في التعامل مع مثل هذه القضايا.
وقال مدبولي : “من هذا المنطلق وتعاملاً مع ما يثار في مختلف وسائل الإعلام، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي حول ملف التصالح مع مخالفات البناء، وجدنا أنه من المناسب أهمية أن يتم التواصل لعرض كافة أبعاد القضية، والتحديات التي تواجهها الدولة بهذا الشأن، وأيضا توضيح الخطوات والجهود التي تقوم بها الدولة؛ سواء حالياً أو مستقبلياً للتعامل مع هذه الظاهرة”.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن ظاهرة البناء غير المخطط، بدأت في مصر منذ عقد السبعينات من القرن الماضي، نتيجة لتزايد النمو السكاني الكبير، وعدم القدرة الاقتصادية للدولة خلال تلك الفترة على توفير البديل المناسب من السكن والأراضي للمواطنين، مما دعا المواطنين في هذه المرحلة إلى البناء بشكل عشوائي وغير المخطط من قبل الدولة.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي: أغلب هذا البناء تم على الأراضي الزراعية التي كانت تحيط بالمدن القائمة، أو كانت موجودة في داخل القرى المصرية.
الظروف الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد سابقًا دعت الدولة لغض الطرف عن تعديات الأراضي الزراعية ومخالفات البناء
وتابع أن الظروف الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد خلال هذه المرحلة دعت الدولة تغض الطرف عن تلك التصرفات التي تحدث من قبل المواطنين وقيامهم بالتعدي على أراض زراعية والبناء العشوائي عليها، وأن هذه الفترة شهدت كذلك صدور عدد من القرارات والإجراءات لتوصيل المرافق إلى هذه المباني المقامة بالمخالفة للقوانين، والتعامل مع المواطنين بطريقة ميسرة، مما أوجد اتجاهًا لدى عديد من المصريين أن البناء بهذه الطريقة هو النمط الغالب الموجود على أرض مصر.
رئيس الوزراء : البناء غير المخطط أو العشوائي يُمثل 50% من الكتلة العمرانية لكل المدن والقرى المصرية
وأوضح رئيس الوزراء أن البناء العشوائي أو غير المخطط يمثل 50% تقريبًا من الكتلة العمرانية لكل المدن والقرى المصرية.
ولفت إلى أنه اعتبارًا من منتصف الثمانينيات حتى عام 2015، وصلت نسبة النمو العشوائي في بعض الأحيان لأكثر من 70% من حجم البناء الذي يتم، وهو الوضع الذي أدى لظهور حجم هائل من المشكلات والتحديات، التي نلمسها على أرض الواقع كدولة ومواطنين.
وتطرّق رئيس الوزراء لما حدث في قرى وريف مصر، وقال إن القرى عبارة عن تجمعات سكنية صغيرة تخدم الرقعة الزراعية الكبيرة التي كانت تتمتع بها مصر، لتأمين مصادر الغذاء لكل المصريين، وهذه الرقعة الزراعية شهدت زحفًا عمرانيًّا بشكل عشوائي غير مخطط على الإطلاق، ويتميز أنه نمط غير متدرج للبناء أي نمو متبعثر ، فضلا عن انتشار “العِزب” والتوابع للقرى غير المرتبطة بالكتلة السكنية، مما مثل ضغطا كبيرا على الدولة.
الرقعة الزراعية شهدت زحفًا عمرانيًّا بشكل عشوائي وفقدنا 400 ألف فدان من الأراضي الزراعية منذ عام 1980
وتابع في هذا الصدد أنه اعتباراً من عام 1980 حتى الآن فقدنا 400 ألف فدان من الأراضي الزراعية، 90 ألف منها كانت خلال الفترة من 2011 حتى الآن، مما يُعد كارثة حقيقية، لأنه نتج عن ذلك فقدان مصدر من مصادر الغذاء للمصريين، بجانب فقدان العديد من فرص العمل التي كانت مرتبطة بالنشاط الزراعي، وألقى عبئا كبيرا على الدولة تمثل في الاضطرار إلى استصلاح مساحات مماثلة في الصحراء لتعويض تلك المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية.
نحتاج إلى 18 مليار جنيه لاستصلاح وتعويض 90 ألف فدان زراعية فقدناهم منذ 2011
وقال رئيس الوزراء إن الدولة تتكلف ما يتراوح بين 150 و200 ألف جنيه لاستصلاح مساحة فدان في الأرض الصحراوية، بما يعني أنه لا بد من إنفاق نحو 18 مليار جنيه لتعويض الـ90 ألف فدان المهدرة من الأراضي الزراعية، ومع الأخذ في الاعتبار أنه لن يتم تعويض هذه الآلاف من الفدادين، التي فقدناها، بين عشية وضحاها، لأن هذا الأمر يتطلب فترات طويلة للغاية حتى ننتهي من عمليات الاستصلاح ونستطيع تعويضها، وما يتضمنه هذا من مد شبكات ري، وخطوط كهرباء، وأماكن للسكن للمواطنين الذين سوف يستقرون بها.
وأضاف رئيس الوزراء أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فيما يتعلق بفقدان الرقعة الزراعية والبناء عليها بشكل عشوائي؛ لأنه بمجرد تواجد الأهالي في هذه التجمعات غير المخططة والعشوائية يقومون بطلب مد المرافق من شبكات صرف صحي وخدمات أساسية، ومدارس، ووحدات صحية وغيرها؛ والدولة أصبحت تلهث وراء هذه الأماكن العشوائية لتوفير كافة المرافق والخدمات لها، وذلك يؤدي إلى انتزاع ملكية أراض زراعية أخرى لإقامة محطة للصرف الصحي، أو مياه الشرب، أو إنشاء مدارس لتعليم أبنائهم.
وتابع أنه لحرص الدولة على توفير هذه المرافق لأهالينا بالقرى، تضطر الحكومة لنزع ملكية أراض أخرى، وتعويض أصحاب هذه الأراضي، مما يكلف الدولة الكثير، إضافة لتكلفة مد شبكات المرافق بأطوال أكبر ومحطات أكبر؛ للوصول لهذه التجمعات العشوائية داخل الأراضي الزراعية، وكان من الممكن أن تكون تكلفة توصيل تلك المرافق أقل بكثير للغاية، إذا ما كان نمو المباني يسير بشكل مخطط.
ولتوضيح حجم مشكلة المباني المخالفة، ضرب رئيس الوزراء مثالا بالريف المصري، وقال إنه في عام 2014، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بالبدء في تنفيذ مشروع كبير وهو توصيل الصرف الصحي لكل القرى.
ونوه مدبولي إلى أنه كان مسئولا عن هذا الملف آنذاك حينما كان يتولى وزارة الإسكان والمرافق، وقال إن حجم تغطية الريف من الصرف الصحي كان لا يتجاوز 12% من الريف، ولم تكن تكلفة إجمالي المشروعات تتجاوز 180 مليار جنيه لخدمة باقي الريف، وأصبح حجم التغطية الآن نحو 40% من الريف، ومع استمرار النمو العشوائي والعزب وتوابعها، أصبحت تكلفة التغطية تتضاعف، وهو الأمر الذي جعل الحكومة بحاجة لضخ أكثر من 300 مليار جنيه في هذا الأمر.
وقال أنه إذا ما أخذنا في الاعتبار استمرار الوضع الحالي كما هو بدون تغيير عشوائي إضافي، فنحن نحتاج إلى وقت وجهد كبير ومستلزمات ومعدات تصنع خصيصا لهذا الغرض، بما يستلزم فترات زمنية أطول يمكن أن تمتد إلى 10 سنوات حتى ننتهي من تغطية الريف بشبكات الصرف الصحي، مع استمرار هذا النمو العشوائي، وكأننا نسير إلى سراب لا يتحقق، أو في حلقة مفرغة لن نستطيع الخروج منها بهذا الوضع.
وتابع مدبولي قائلًا: “أما في المدن وفي العمران القائم، نواجه ظاهرتين على نفس النمط على أطراف المدن بصورة أكثر تعقيدا، لأنه بدلًا من بناء سكن لأسرة في الريف أصبح هناك مواطنون في المدن ينشئون أبراجًا سكنية مخالفة، وبات هناك كتل سكنية متبعثرة بالطوب الأحمر على المحاور والطرق السريعة، وتشوه المظهر الحضاري للدولة، وتضطر الدولة لإزالة مئات الوحدات السكنية لمجرد فتح محور للتيسير على حركة المواطنين، فناهيك عن توفير خدمات في هذه الأماكن”.
وأوضح أن الظاهرة الأخرى تتمثل في الأحياء القائمة مثل الدقي ومصر الجديدة والعجوزة والتي كانت مخططة بطريقة سليمة لا تتجاوز 4 طوابق في شوارع عريضة مناسبة، حيث يلجأ الكثيرون لهدم المباني القديمة في هذه الأحياء، وإقامة أبراج سكنية مرتفعة تصل إلى 12 طابقًا، وذلك رغم حصوله على هدم المبنى وإقامة 3 أو 4 طوابق فقط، وهو الأمر الذي يمكن وصفه بتسرب العشوائية للأحياء المخططة أيضا، مما أدى للضغط على شبكات المرافق، التي كانت تستوعب أعدادا معينة من السكان، ولكن مع إقامة طوابق مخالفة أصبح عدد السكان أضعاف أضعاف ما يمكن أن تتحمله تلك المرافق.
وتطرّق رئيس الوزراء لمشكلة كانت قائمة ما بين عامي 2014 و2015 ونجحت الحكومة في التغلب عليها وإيجاد حلول لها، تتمثل في حدوث نقص وضعف لضخ مياه الشرب النقية داخل بعض الأحياء في العاصمة، وأيضًا في محافظة الجيزة، لاسيما في مناطق مكتظة مثل فيصل والطوابق والهرم ومنشية البكاري بسبب نمو ظاهرة المباني المخالفة العشوائية، مما دعا الحكومة إلى إقامة محطات مياه هائلة لخدمة هؤلاء المواطنين رغم أن مبانيهم متجاوزة ومخالفة، وقامت بتنفيذ العديد من المشروعات تغطي هذه المنطقة لمدة 10 سنوات، ولكن ما حدث أنه في غضون 3 سنوات فقط، عادت بعض المشكلات في الظهور مرة أخرى، وبدأت الحكومة في تنفيذ مشروعات جديدة.
وأوضح رئيس الوزراء أنه في ظل ما وصلنا إليه من شكل غير حضاري لكتل سكنية غير منظمة ومتناثرة، كان لابد من وقفة حاسمة من الدولة، لنحافظ على المظهر الحضاري لدولة عريقة؛ لأنه مع كل الجهود التي تُبذل في إطار حجم الإنفاق الهائل على المشروعات التي تم تنفيذها السنوات الخمس الماضية، لنبني دولة جديدة حقيقية، كان لابد من هذه الوقفة.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي أن البعض قد يتساءل لماذا صمتنا طوال الفترة الماضية على هذا الوضع المخالف، ولكن في الحقيقة فإنه منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي كان للدولة وقفة، وصدرت آنذاك عدة قرارات من الحاكم العسكري بتجريم البناء على الأرض الزراعية، واتخذت الدولة في تلك المرحلة مجموعة من الإجراءات الرادعة ، وكان من بينها عدم توصيل المرافق، والهدم، وحاولوا بطرق صعبة أو عقابية وقف هذا الزحف العمراني العشوائي، لكن كل هذه الإجراءات لم تؤت ثمارها في إنهاء هذا الوضع.
أضفنا 160 ألف فدان لأحوزة العمرانية تم استقطاعها من الرقعة الزراعية لاستيعاب الزيادة السكانية لمدة 20 عامًا
وأضاف رئيس الوزراء أنه منذ 2008 قامت الدولة بعمل أحوزة عمرانية لكل المدن والقرى ولكل التوابع في الدولة، وأضافت بالفعل 160 ألف فدان تم استقطاعها من الرقعة الزراعية لاستيعاب الزيادة السكانية لمدة 20 عاما أي حتى 2030، حيث الفدان يمكن أن يستوعب 150 فردا، أي 24 مليون نسمة، وهذا جنبا إلى جنب التوسع في إنشاء جيل جديد من المدن الجديدة، لاستيعاب الزيادة السكانية.
وتابع مدبولي أن ما حدث على أرض الواقع، أنه لم يلتزم أحد بهذه التوسعات في الأحوزة العمرانية؛ لأن المواطن يرغب، وفق ما تشكلت لديه من ثقافة، في البناء على ما يملكه من أرض، بغض النظر عن أنها تدخل ضمن الحيز العمراني أم لا، وأصبح هذا الحيز ليس حلا سحريا للظاهرة، رغم أنه لم يتم إشغال سوى 20 أو 30 % من الحيز العمراني.
وأكد رئيس الوزراء أن هدف الحكومة هو العمل الدؤوب حتى عام 2030 لتصبح مصر في مصاف الدول المتقدمة، وأهمية العمل على تحسين جودة المعيشة للمواطن المصري، وتوفير مكان سكن مناسب وملائم لأولادنا، بجانب توفير فرص عمل جديرة بهم، بحيث يكون ذلك داخل بيئة مناسبة وصحية تراعي جميع الجوانب المعيشية والاقتصادية للمواطنين، كما يحدث في أي دولة متقدمة.
وقال أن ذلك وجه الحكومة للعمل على التوسع في إنشاء المدن الجديدة كالعاشر من رمضان، و6 أكتوبر، والقاهرة الجديدة، وغيرها من المدن الجديدة التي تقام على مستوى الجمهورية، وتنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، تم البدء في إنشاء جيل جديد من المدن الجديدة، الذي يسمى بالجيل الرابع من المدن الجديدة، وينتشر على مستوى الجمهورية من مدينة الإسكندرية حتى أسوان، خلال السنوات الأربع الماضية فقط.
وأكد رئيس الوزراء على أنه كان من الضرورة إيجاد حل جذري لمواكبة ما يتم إقامته من مدن جديدة، وتم العمل عليه في المدن والقرى القائمة، من حيث تطوير ورفع الكفاءة للخدمات المقدمة إلى المواطنين بها، وأشار في الوقت نفسه إلى حجم العمل الذي تم في المناطق غير الآمنة والعشوائية، وما تم من تطوير لشبكات الطرق الداخلية، حيث تم إقامة عديد من الطرق والكباري داخل المدن القائمة استنزف مزيد من الاستثمارات الموجهة لهذا الغرض، دعما لحركة المواطنين داخل هذه المدن، وحلا لمشاكل العمران القائم بها، وقد كلف الدولة مئات المليارات، ولا تزال الدولة توجه حجم إنفاق كبير لخدمة الكتلة السكنية الموجودة في هذه المدن التي زادت عن طاقتها الاستيعابية.
وقال رئيس الوزراء “ذلك مجتمعاً هو ما دعانا لوضع حد لهذه المخالفات، وهو مطلب شعبي وليس مبادرة من الحكومة والدولة، حيث سعى المواطنون إلى التصالح فيما تم من مخالفات قديمة، لوضع حد لنزيف المخالفات الموجودة وتقنين هذا الوضع”.
وأشار إلى أنه نتيجة للجهد المشترك التي تم بالتعاون مع مجلس النواب بهذا الصدد، ظهر قانون التصالح على مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019، وهذا القانون جاء لإجراء تصالح للمخالفات الخاصة بقانون البناء رقم 119 لسنة 2008، وأوضح أن القانون رقم 119 ينص صراحة على عدم التصالح مع أي مخالفة، وأن الحل الوحيد هو الإزالة، ولكن في ضوء ما شهدته الفترة التي أعقبت ثورة يناير 2011 من تزايد مضطرد في عدد المباني غير المخططة والعشوائية، استوجب ذلك ضرورة وضع حل تشريعي، وهو ما صدر في عام 2019.
وخلال المؤتمر الصحفي، قال الدكتور مصطفى مدبولي أن عدد الطلبات التي تم تقديمها للتصالح ليس متوافقا مع أعداد المخالفات الموجودة؛ لأننا نعلم جيدا أن المخالفات الموجودة على الأرض تفوق ما تم تقديمه من طلبات، مما دعا الدولة لبحث وجود مشكلات تطبيقية في القانون.
وأضاف رئيس الوزراء أن مجلس النواب طلب إدخال بعض التيسيرات على القانون نتيجة ظهور عدد من التحديات عند التطبيق، وبدأ طرح التساؤل حول كيفية التعامل مع المباني المخالفة قبل عام 2008، وخاصة أن القانون يحصر أعمال الإزالة على تلك التي تم بناؤها منذ عام 2008 حتى الآن، وأن ذلك ما دعا الحكومة جميعا بعد محاولات التفعيل منذ إبريل 2019 وحتى بداية عام 2020، وهم غير قادرين على عدم الاستفادة من هذا القانون الذي كان هدفه هو إيقاف نزيف البناء المخالف، لذا وجدوا معا ، الحكومة مع مجلس النواب، أن هناك حاجة لتعديل هذا القانون ، وبناءً عليه صدر التعديل بالقانون رقم 1 لسنة 2020 لتبسيط إجراءات التصالح.
سداد قيمة التصالح في مخالفات البناء على أقساط لمدة 3 سنوات دون فوائد
وفيما يتعلق بقانون 1 لعام 2020، قال رئيس الوزراء إن هذا القانون فتح المجال لضم جميع المخالفات حتى التي تم بناؤها قبل عام 2008، ونص صراحة على سداد قيمة التصالح على أقساط لمدة ثلاث سنوات وبدون فوائد، وكان القانون قبل تعديله يلزم بسداد قيمة التصالح بصورة فورية، وسمح القانون 1 لسنة 2020 للمواطن أن يتظلم من عدم قبول طلب التصالح ومن قيمة التصالح نفسها، وهذا لم يكن منصوصا عليه في القانون القديم.
وأضاف رئيس الوزراء أن القانون الجديد يسّر على المواطن تقديم كل المستندات التي تدل على المخالفة، وأن أية مستندات سوف تقدم سيتم النظر إليها، وأنه في الوقت الذي كان القانون القديم يتضمن أنه لابد أن يقوم مكتب استشاري هندسي بتقديم شهادة بالسلامة الإنشائية للمبنى، والذي رافقه شكاوى من المواطنين من استغلال هذه المكاتب والمغالاة عند استخراج هذه الشهادات، فإن التعديل على القانون اشترط أن تكون الشهادة من مهندس نقابي وليس مكتبًا هندسيًّا أو استشاريًّا، وذلك حتى مع عدم العودة للنقابة تيسيرا للمواطنين، طالما أن المهندس عضو بالنقابة.
وتابع رئيس الوزراء أن قانون التصالح ليس إجراء عقابيًّا، ولكن بالعكس تمامًا يخدم المواطنين الذين استثمروا جزءًا من أموالهم وثرواتهم في إنشاء عقارات على الأراضي.
ولفت إلى أن التصالح له فوائد كثيرة مهمة للغاية تعود على المواطن؛ لأن العقار بمجرد التصالح عليه يأخذ صفة الرسمية، ومن ثم أصبح حقًّا على الدولة أن تقوم بإدخال المرافق له بصورة رسمية وغير ملتوية، وخاصة مع علمنا جميعًا بما كان يحدث عند الرغبة في توصيل المرافق للمباني المخالفة فيما يتعلق بسرقات الكهرباء وتوصيل المياه بصورة غير رسمية.
ولفت رئيس الوزراء إلى أنه بمجرد أن تتم عملية التصالح القيمة العقارية للمبنى تتضاعف عدة مرات، والأهم أنه بمجرد الحصول على المستندات التي تثبت الوضع القانوني للعقار، سوف يكون باستطاعة مالكه التعامل في النور في عمليات البيع والشراء والاستفادة من الأصل في التعامل مع البنوك، لأن الأصل أصبحت تقرّه الدولة وتعترف به، ومن ثم سوف يتم تداوله بالقيمة الحقيقية والسوقية له ووفقًا لحركة السوق.
الحكومة تسعى لوقف المزيد من النمو العشوائي وغلق ملف التصالح وتقنين الأوضاع
وأوضح مدبولي أن الحكومة تسعى لوقف المزيد من النمو العشوائي ونغلق ملف التصالح وتقنين الأوضاع، ولأجل ذلك نص القانون صراحة على تحديد 6 شهور لإنهاء هذا الجدل، يقوم خلالها المواطنون بالإسراع في تقديم طلبات التصالح، وجدد الطلب للمواطنين بالإسراع في تقديم الطلبات حتى نغلق جميعا دولة ومواطنين هذا الملف الذي تعانيه مصر منذ أكثر من 40 عامًا.
وتطرّق رئيس الوزراء إلى شكاوى المواطنين التي تصل إلى الحكومة عبر منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة، وأيضًا الشكاوى التي نلمسها من واقع الجولات التي يقوم بها، ومن اجتماعاته مع المحافظين، والتي تتمثل في شكاوى بعض المواطنين من تعدد المستندات المطلوبة وعدم قدرتهم على استيفائها جميعًا، ورفض الجهات التنفيذية هذه المستندات في حال عدم اكتمالها.
والشكوى الثانية التي أشار إليها رئيس الوزراء هي ارتفاع القيمة المقررة كرسم للتصالح على المتر في عدد من المناطق، حيث يرى أصحاب هذه الشكاوى أن تلك الأسعار مُبالَغ فيها، وطالبوا الدولة بالتدخل لإيجاد حل لمسألة ارتفاع قيم التصالح.
وفي هذا الصدد أوضح رئيس الوزراء أن المحافظات لم تحدد الأسعار بطريقة جزافية، ولكنه طبقًا للقانون يوجد لجنة مُشكّلة، ويشارك فيها العديد من الجهات في الدولة وتضم أيضًا خبراء تقييم تضع هذه الأسعار، ورغم ذلك، وفي ضوء تكرار تلك الشكاوى تم توجيه المحافظين بمراعاة البعد الاجتماعي وأن يراجعوا بأنفسهم تقديرات الأسعار الأولية التي تخرج عن هذه اللجان.
توجيه المحافظين بمراعاة البعد الاجتماعي في تقدير أسعار التصالح.. وحدث تخفيض يتراوح بين 10 و55% من القيم المحددة
وقال إنه من الوارد وجود مناطق شديدة التميز من الناحية الجغرافية لكن أوضاع أهالينا من القاطنين بها هي أوضاع بسيطة وربما لن يستطيعوا دفع القيم الأولية للتصالح، ولأجل ذلك “أكرر مرة ثانية كان التوجيه للمحافظين بمراعاة البعد الاجتماعي”، ونتيجة لذلك، حدث تخفيض للقيم في عديد من المحافظات بنسب تتراوح من 10- 55% من القيم التي كانت اللجان حددتها في السابق.
وتناول رئيس الوزراء، في المؤتمر الصحفي، الجدل الذي أثير حول من المسئول عن تسديد قيم التصالح، وهل هو صاحب العقار (مَن أنشأه) أم شاغل هذا العقار، قائلًا: لكي نضع الموضوع في إطار واضح، نعلم جميعًا أنه في الريف من يبني العقار هو من يشغله أو أولاده، وفي تلك الحالة يعتبر هو المالك والشاغل، وبالتالي هو من يتقدم بطلب التصالح، وكذلك الحال بالمدن الجديدة يكون المالك هو الشاغل، حتى في حالة بيعه لعدد من الوحدات داخل العقار الذي يملكه فإنه يكون معروفًا، وذلك الكلام أيضًا ينطبق على ملاك العقارات في المدن القائمة، وهم معلومون أيضًا، وأكد أن القانون يُلزم صاحب الرخصة بسداد رسوم التصالح.
وأبدى مدبولي أسفه لوجود عقارات في بعض المدن الكبرى والتي تم بناؤها من بعض ضعاف النفوس بأسماء مستعارة فيما يعرف بـ”الكاحول”، وأصبح اليوم المالك الأصلي مجهولًا وحتى إن كان معلومًا، إلا أنه متعنت في السداد.
من يرفضون التصالح يفقدون فرصة ذهبية لتعظيم قيمة الوحدة السكنية التي يقطنون بها لأن قيمتها ستتضاعف
وفي تعامله مع هذا الأمر أشار القانون إلى أن شاغلي الوحدات بهذا النوع من العقارات منفردين أو مجتمعين، لهم أن يتقدموا لتقنين الأوضاع المخالفة القائمة، وفي هذه الحالة رأت الحكومة بعض الحالات التي ترفض التقدم للتصالح، وأنهم بذلك يفقدون فرصة ذهبية لتعظيم قيمة الوحدة السكنية التي يقطنون بها، التي ستتضاعف قيمتها بعد بضع سنوات.
ولفت رئيس الوزراء إلى أن الحكومة تعمل على وضع منظومة، في إطار التحول الرقمي وميكنة جميع الإجراءات، معلنًا أنه سوف يصدر لكل وحدة سكنية شهادة برقم قومي ولن يتاح مستقبلًا بمجرد الانتهاء من تلك المنظومة تداول أي وحدة سكنية أو عقار إلا إذا كان قدر صدرت له هذه الشهادة.
وأضاف أنه في إطار السعي نحو تطبيق القانون ووقف نزيف مخالفات البناء العشوائي، تم توجيه كل الإدارات المحلية وأجهزة المدن الجديدة بتسلم جميع الطلبات التي يتقدم بها المواطن، بغض النظر عما إذا كانت المستندات مكتملة أم لا، وبمجرد تقديم الطلب سوف يتسلم المواطن “نموذج 3” والذي يرجع أهميته إلى أنه بمجرد حصول المواطن عليه، سوف يتم وقف جميع الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد المخالفة من إجراءات هدم، وحتى الأحكام سوف يتم تجميدها لحين إجراءات التصالح، مع إعطاء المواطن فترة بعدها مدة شهرين لاستكمال أوراقه.
وأكد رئيس الوزراء أنه تم التشديد على كل المحافظين بمراجعة جميع قيم التصالح في بعض المناطق التي وردت منها شكاوى كثيرة ببعض الارتفاعات الكبيرة في قيم التصالح، وفي هذا الصدد قام عدد من المحافظين باتخاذ ذلك الإجراء خلال الفترة الأخيرة.
وأشار إلى أنه تم التشديد على جميع الإدارات المحلية على أنه بمجرد تسلم المواطن نموذج رقم “3”، يتم إعلام جميع الجهات التنفيذية بضرورة عدم التدخل والتعامل مع العقار والذي صدر في شأنه هذا النموذج، وكذلك إيقاف وتجميد الأحكام الخاصة به، لحين البتّ في التصالح وإجراءات عملية التقنين؛ تأمينًا للمواطنين.
وشدد رئيس الوزراء على أن الدولة لا تهدم المباني والمنشآت المشغولة بالمواطنين، وما تم هدمه هي مبانٍ خالية، وتعديات كانت صارخة خارج نطاق أماكن التصالح، لوقف تفاقم تلك الظاهرة التي عانت منها مصر طويلًا، وسوف تظل تعاني بهذا الوضع.
وشدد على أنه حان الوقت لوقف هذا النزيف، وأن يكون النمو على مستوى الجمهورية نموًّا مخططًا، وبما يضمن شكلًا حضاريًّا للمدن والعمران يضاهي ما نراه في مدن العالم المتقدم، وأكد أن الدولة سوف تواجه بكل حسم وحزم أية محاولات جديدة لبناء عشوائي وغير قانوني أو غير رسمي على أراض زراعية أو أملاك دولة.
وقال مدبولي: “من هنا أقول إنه حان الوقت لنا لأن نواجه هذه الظاهرة، ولأجل ذلك كان توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي أن نسرع في إصدار الاشتراطات الخاصة بكل المدن خلال ستة أشهر؛ حتى تكون الاشتراطات الخاصة بالبناء في الأراضي الموجودة بالمدن القائمة والعمران القائم واضحة، وكذلك الاستخدامات لتلك الأراضي.
وأكد أن الرخصة سوف تكون بمثابة عقد مشترك بين المواطن والدولة ينص على أن المواطن له حقوق، وعليه واجبات، وأنه ملتزم بشكل كامل بتلك الاشتراطات، وفي حال ارتكاب أي مخالفة ستتخذ الدولة كل الإجراءات لمواجهتها.
وفي ختام المؤتمر الصحفي، أكد رئيس الوزراء أن الهدف الأساسي للحكومة فيما تتخذه من خطوات هو بناء دولة حقيقية، وأن يكون كل بناء قائم فيها مخططًا بشكل سليم ومزودًا بكل الخدمات للوصول بجودة المعيشة لتضاهي سبل الحياة في الدول المتقدمة، ونوه بأن الحكومة سوف تبذل قصارى جهدها لإنهاء ملف المخالفات الذي كان سببًا لمعاناتنا جميعًا على مدار العقود الماضية ومواجهته بكل حسم.