من تراب الطريق (1212)

من تراب الطريق (1212)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:42 ص, الثلاثاء, 2 نوفمبر 21

الإمام الطيب والقول الطيب

(45)

ومن المؤسف ان التناقضات التى رأيناها فى منطق الغرب، لا تزال تعمل عملها فى الجانب الغربى حين يجلس إلى مائدة الحوار. ومن المؤسف أيضًا أن هذه التناقضات، تنتج آثارها المرة فى سياسية الغرب الاستعلائية، وفى سياسة تعدد المكابيل تبعًا لتعدد الأغراض!

على أن الجانب الشرقى، لم يخل تمامًا من السلبيات، من أهمها إختزان رواسب عدائية تاريخية فى نظرته للغرب، وربما اختلفت وشخصيًّا فى تحميل الشرق عدم التخلص من هذه الرواسب، ذلك أن المواقف الجديدة والمستمرة تحرك هذه الرواسب، وإن اختلفت الصور؛ لذلك فقد لمس الإمام الطيب كبد الحقيقة حين قال إن عدم التخلص من هذه الرواسب ينصرف إلى الحروب الصليبية فى العصور الوسطى، والاستعمار بصوره ــ فى العصر الحاضر. وكما هو صحيح أن العاملين يعملان أثرهما السلبى فى مشاعر المسلمين نحو الغربين، فإن الصحيح أيضًا أن المسلك الإستعمارى الحديث يحرك بالضرورة الرواسب القديمة، ومن ثم فإن هذه السلبية ـ فيما قال الإمام الطيب ــ مسئولية مشتركة بين الغربيين والشرقيين.

على أن من المهم التفطن إلى أن العداء التاريخى لدى المسلمين من جراء مالاقوه، لم يكن موجهًا للمسيحية ولا لليهودية، ولا موسى وعيسى عليهما السلام، فذلك انحراف عن الإسلام ذاته وقر كل الأنبياء وأقر الرسالات السابقة على الإسلام، لذلك فإن موقف المسلمين إزاء الغرب، اتجه إلى الذين يتاجرون بالدين فى سوق السياسات وساحات الحروب.

ومن المؤسف أن الغرب المتباهى بتقدمه، لا ينظر إلى الأمور النظرة الموضوعية للشرق الإسلامى، بل اختلطت لديه الأوراق، فشرعوا سهامهم ورماحهم صوب القرآن والإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام.

ولعل المسلمين واجب عليهم، فيما يشير إليه الإمام الأكبر، ألا يعمموا السيئات أو يضخموها فى حوارهم مع الغربيين. فالانصاف الذى نتعلمه من الإسلام يلزمنا بأن نسمى الأشياء بمسمياتها، وألا نعمم حتى لا نصيب قومًا بجهالة دون أن نقصد، فالغرب الأمريكى مثلاً، غير الغرب الأوربى، وهما كلاهما غير الغرب الروسى، هذا إلى أن المؤسسات الدينية الغربية لا تعبر فى آرائها ومسلكها عن كل الغربيين، بل ولا الكثرة الغالبة منهم، فلا بد إذن من التفريد بدل التعميم. خذ لذلك مثلاً أنه إن كانت بعض الكنائس الغربية تلتزم سياسة مهاجمة الإسلام، إلاَّ أن كثرة كاثرة من الكنائس الأخرى ترفضها، ويتمثل الإمام الأكبر بموقف عاينه شخصيًا ابان جولاته الحوارية فى الغرب، أنه رأى بنفسه من فضلاء رجال الدين الكاثوليكى من رفضوا تصريحات بابا الفاتيكان السابق، رغم صعوبة ذللك عقديًا فى مذهبهم الدينى.

أما السلبية الثالثة: فهى أن كثيرًا ممن يتحدثون اليوم باسم الإسلام يحكمون على الحضارة الغربية من منظور الإسلام، وفى ضوء الأحكام الفقهية التى جاءت بها شريعته، وهو فهم مغلوط لصحيح الإسلام وصريح نصوصه، فليس مطلوبًأ من المسلمين أن يزنوا تصرفات غير المسلمين بميزان الشريعة الإسلامية، والوضع الصحيح هو حق الأخرين وحريتهم الكاملة فى أن يكونوا كما يشاؤون، وكما يشاء لهم تمدنهم الإجتماعى الذى اختاروه، ما دامو لا يفرضون علينا رؤاهم، آية ذلك القرآنية الكريمة التى تقول: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (الممتحنة 8)، والقاعدة الشرعية فى علم أصول الفقه أن غير المسلم ليس مخاطبًا بفروع شريعة الإسلام، كما نحفظ الحكم الذى يقرر أن الخمر فى الإسلام مال غير محترم، وأن المسلم لو أراق خمرًا مملوكًا لمسلم ؛ فإنه لا يضمن له ثمنه، أما إذا أراقه لغير مسلم ؛ فإنه يضمن ثمن الخمر المراق، ويلزمه أداء الثمن شرعًا ؛ لأن الخمر وإن كانت مالا غير محترم فى الإسلام فقد تكون مالاً محترمًا عند الغير.

بقى أن تقول إن الصوت الصارخ فى الساحة الإسلامية الآن هو الصوت المتشدَّد، وأن الإمكانات المادية والمالية التى تدعم هذا الخطاب المُتشدَّد تريُده أن يكون المتحدث الرسمى باسم الإسلام، ويسعون إلى مصادرة غيرهم من ذوى الخطاب الفاهم الوسطى، وهذا خلل واضح فى الخطاب الإسلامى، يترتب عليه بالضرورة فهم غير صحيح للإسلام من جهة، واعوجاج فى منهج التواصل والتفاهم بين الإسلام والغرب من جهة أخرى.

www. ragai2009.com

[email protected]