“سوق واعدة” تنطلق فى مصر بدعم كبير من الهيئة العامة للرقابة المالية والبورصة المصرية بالتعاون مع وزارة البيئة، بعدما تم الانتهاء من جميع الإجراءات والأطر التنظيمية والتشريعية وتجهيز البنية الأساسية وتنفيذ أول 3 عمليات لتداول شهادات خفض الانبعاثات الكربونية محليًا.. تساءلت “المال” حول طبيعة تكلفة الإصدار ؟ وهل تكون عائقًا أمام تزايد إقبال الشركات على التسجيل وإصدار المزيد من تلك الشهادات؟
وشهادات الكربون هى بمثابة الإثبات التى يصدر من السلطات المختصة فى الدولة مثل وزارة البيئة أو ممثلى الأمم المتحدة، ويفيد بأن الشركة الصادر لها تلك الشهادة نجحت فى خفض الانبعاثات الكربونية، وتحدد قيمة تلك الشهادات وفقًا لمعدلات خفض الانبعاثات لكل طن كربون.
وقال خبراء فى سوق الكربون الطوعية إن تكلفة إصدار شهادات الكربون مرتفعة بسبب الاستثمارات الكبيرة المطلوبة فى مشروعات خفض الانبعاثات، بالإضافة إلى التكاليف المرتبطة بالمعايير والاعتمادات والتفتيش.
وأشاروا إلى أن إصدار معايير محلية وتشجيع الجهات المحلية على تقليل التكاليف يمكن أن يكون حلاً فعالاً، كما أن الخطوات الحالية لخفض تكاليف التحقق والمصادقة تمثل بداية إيجابية فى هذا المجال.
يُذكر أن الهيئة العامة للرقابة المالية أطلقت أول سوق كربون طوعية منظمة ومراقبة من جهات الرقابة على أسواق المال، وتهدف السوق إلى تسجيل مشروعات خفض الانبعاثات الكربونية الطوعية، وإصدار وتداول شهادات خفض الانبعاثات بين أطراف محلية ودولية، وتم إطلاق السوق بالتعاون مع وزارة البيئة بعد استكمال جميع المتطلبات التنظيمية، لتصبح منصة رسمية لمشروعات خفض الانبعاثات وبيع الشهادات الكربونية.
كما أصدرت الهيئة قواعد قيد وشطب شهادات خفض الانبعاثات فى البورصات المصرية ومعايير اعتماد سجلات الكربون الطوعية، التى تمثل أنظمة إلكترونية لحفظ وتتبع شهادات الكربون، بالتوازى مع اعتماد قواعد التداول والتسوية فى البورصة المصرية.
وقال الدكتور محمد فريد، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية، إنه تم تسجيل 12 مشروعًا بقاعدة بيانات مشروعات خفض الانبعاثات الكربونية بالهيئة ليصل إجمالى المشروعات المسجلة إلى 14، وتم تنفيذ 12 عملية تداول فى السوق، كما بلغ عدد شهادات الكربون الطوعية المتداولة نحو 4500، وبلغ عدد شهادات الكربون التى تم تسجيلها بقاعدة بيانات الهيئة 18375.
جاء ذلك خلال مشاركته، فى إحدى جلسات بعثة طرق الأبواب التى تنظمها الجمعية المصرية البريطانية للأعمال فى العاصمة البريطانية لندن، وخلالها استعرض جهود تدشين أول سوق كربون طوعى منظم ومراقب من جهات الرقابة على أسواق المال فى مصر وأفريقيا.
وكشف مسئول فى إحدى الشركات المقيدة فى البورصة- فضل عدم الكشف عن اسمه- أن شركته تدرس إمكانية تنفيذ مشروع لخفض الانبعاثات الكربونية فى مصانعها القائمة، موضحًا فى الوقت ذاته أن تكلفة الإصدار قد تكون عائقا أمام تلك التوجهات.
وأضاف أن الشركة التى تعمل بقطاع التصنيع تسعى لبحث الأمر مع المتخصصين فى سوق الكربون الطوعية لتحديد مدى جدوى الأمر من حيث العوائد والتكاليف لاتخاذ قرار نهائى .
من جانبه، قال حلمى أبو العيش رئيس مجلس الإدارة والمدير الإدارى لشركة “سيكم” لقد واجهنا هذه المشكلة خلال 15 سنة الماضية التى عملنا بها فى سوق الكربون الطوعى مما كان حافزا لنا على إصدار أول معيار مصرى لإصدار شهادات الكربون “معيار اقتصاد المحبة”.
وأضاف أن تكلفة إصدار شهادات الكربون تعتبر مرتفعة لأسباب متعددة، منها أن الاستثمار فى مشروعات خفض الكربون يتطلب تكاليف رأسمالية كبيرة مسبقة، بالإضافة إلى أعباء جهات المعايير والاعتمادات، والتى غالبًا ما تكون مكلفة وتشمل رسوم للمراجعين الخارجيين وجهات الاعتماد.
وأوضح “أبو العيش” أن عملية القياس والمصادقة على خفض انبعاثات الكربون تشمل أيضًا إجراءات تفتيش ومراقبة وإعداد تقارير دقيقة، مما يزيد من التكلفة.
وأكد “أبو العيش” أن سبل حل هذه المشكلة تشمل إصدار معايير محلية تتماشى مع ثقافة وطبيعة البلاد، وتشجيع جهات التحقيق والمصادقة المصرية لتقليل التكاليف، بالإضافة إلى تبسيط الإجراءات من قبل الحكومات والجهات المانحة.
وأشار “أبو العيش” إلى ضرورة أن يتم تقديم تحفيزات مالية للشركات والمزارعين الذين يشاركون فى مشروعات خفض الانبعاثات فيمكن أن يسهم فى تقليل التكلفة، إلى جانب تطوير نظم أكثر شفافية ومصداقية لقياس ومراقبة الانبعاثات عن طريق التكنولوجيا الحديثة، وتشجيع التعاون الدولى لتحسين كفاءة الأسواق الكربونية.
وأوضح أن قرار “الرقابة المالية” بدفع الشركات التابعة لها لإصدار شهادات الكربون هو خطوة جيدة، حيث يسهم فى رفع الوعى بين الشركات بأهمية تقليل الانبعاثات الكربونية، ويشجع على الاستثمار فى مشروعات تقليل الانبعاثات.
وأضاف “أبو العيش” أن هذه الخطوة تساعد أيضًا فى إنشاء سجلات موثقة لخفض الانبعاثات، مما يعزز الشفافية والمصداقية فى السوق، ويزيد من ثقة المستثمرين الدوليين فى التزام مصر بخفض الانبعاثات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
يذكر أن شركة “سيكم” قامت بتنفيذ مشروع “أشجار سيكم” وهو أول مشروع معتمد من “المعيار الذهبي” فى مصر والشرق الأوسط.
ويهدف المشروع إلى تشجير 809.4 هكتار من الأراضى الصحراوية فى الواحات البحرية لخفض الانبعاثات وعزل الكربون.
وحصل على 2000 شهادة ائتمانية من “المعيار الذهبي” لتثبيت 2000 طن من ثانى أكسيد الكربون، ويدعم أهداف التنمية المستدامة فى اتفاقية باريس، ويساهم المشروع فى تحسين نوعية الهواء والتربة ويعزز التنوع البيولوجى فى المنطقة.
وقال الدكتور أحمد رشدى، المدير التنفيذى للمركز الإقليمى للتمويل المستدام بالهيئة العامة للرقابة المالية، إن عدم وجود إقبال على الشهادات الكربونية يرجع إلى أن السوق تعتبر جديدة، بالإضافة إلى أن الوعى والمعرفة يلعبان دورًا أساسيًا فى إدراك الشركات لوجود السوق، موضحا أن الشركات تدرك قدرتها على خفض الانبعاثات الكربونية، لكن العائد من هذا الوعى لا يزال ضئيلًا.
وأضاف أن الهيئة تعمل على تنظيم دورات تدريبية بالتعاون مع الاتحادات والشركات، بهدف توضيح كيفية عمل سوق الكربون وكيف يمكن أن يعتبر أداة فعالة للتمويل، مشيرا إلى أهمية تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتعزيز الاستثمار فى الحلول المستدامة.
وأكد “رشدي” ضرورة تطوير إستراتيجيات متكاملة للتوعية بأهمية الشهادات الكربونية، مما قد يسهم فى خلق بيئة استثمارية أكثر جاذبية.
ودعا إلى أهمية الابتكار فى الحلول التمويلية التى تدعم المشروعات ذات الانبعاثات المنخفضة، لضمان تحقيق التنمية المستدامة فى المستقبل.
وأشار إلى أن مشاركة الشركات فى سوق الكربون يمكن أن تساهم فى تحسين سمعتها البيئية وزيادة قدرتها التنافسية فى الأسواق العالمية.
وأضاف أن دعم الجهات الحكومية لتبنى سياسات محفزة سيعزز من فرص النجاح ويشجع المزيد من الشركات على الانخراط فى المبادرات البيئية، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطنى.
من جانبه، قال عمر النمر، رئيس مشروعات شركة “VNV أدفيزوري”، إن تكلفة جهات التحقق والمصادقة مرتفعة، وتحاول “الرقابة المالية” الآن مكافحة هذا الارتفاع عبر تسجيل تلك الجهات لتصبح محلية وتم تسجيل 3 جهات مما يؤدى إلى انخفاض فى سعر إصدار الشهادات.
كانت “المال” قد كشفت أن شركة “VNV أدفيزوري” تعتزم ضخ استثمارات تصل إلى 10 ملايين دولار فى السوق المحلية خلال العام الجارى عبر الدخول فى مجالات الزراعة والطاقة وتدشين 3 مشروعات محليا، إذ تعمل على الاستقرار على التفاصيل النهائية خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأوضحت “المال” أن “VNV أدفيزورى” تعمل على الانتهاء من تسجيل المشروعات الـ 3 التى تجهزها خلال الفترة الراهنة بالتعاون مع “الرقابة المالية”، تمهيدا لإصدار شهادات خفض الانبعاثات الكربونية مستقبلا وتمتلك الشركة نحو 120 مشروعا فى 17 دولة حول العالم، وتقوم بإصدار 6 ملايين شهادة خفض البعثات سنويا من قطاعات مختلفة مثل الزراعة والصناعة والكهرباء.
وأصدرت” VNV أدفيزوري” نحو 400 ألف شهادة منذ شهر تقريبا عن مشروع التشجير الذى يقام على مساحة 200 ألف فدان فى الهند، لتنجح فى بيع جزء منها لكل من “دلتكس” و”SCB جروب”.
وهناك أخبار نُشرت مؤخرًا باعتزام الشركة الدولية للأسمدة إصدار شهادات خفض الانبعاثات الكربونية خلال العام الجارى، وتهدف هذه الخطوة لمساعدة الشركة على تحقيق التنمية المستدامة.
وبدأ تفعيل السوق بتنفيذ 3 عمليات تداول، حيث اشترت شركة إيزيس للصناعات الغذائية 500 شهادة من الجمعية المصرية للزراعة الحيوية بسعر 1040 جنيه للشهادة.
واشترت شركة “دالتكس” 1500 شهادة بسعر 18 دولارا للشهادة من شركة” VNV أدفيزوري”، فيما نفذت شركة “SCB “ للأسواق البيئية عمليات شراء أخرى من خلال شركة “سى آى كابيتال” لتداول الأوراق المالية.
ويأتى هذا التنظيم تنفيذاً لوعود مؤتمر” COP 27”، ويمثل خطوة مهمة لتمكين مشروعات خفض الانبعاثات، سواء كانت زراعية أو صناعية، من إصدار شهادات الكربون وبيعها فى السوق، مما يسهم فى جذب فئات جديدة من المستثمرين المحليين والدوليين، ويوفر عوائد إضافية لتلك المشروعات، ويساهم فى دفع عجلة الاستثمار فى مشروعات الاستدامة.
وتعود أصول هذه السوق إلى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 4664 لسنة 2022، الذى عدل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال، ليعترف بشهادات خفض الانبعاثات الكربونية كأداة مالية، وتم إنشاء منصة التداول وتشكيل لجنة للإشراف على السوق بالتعاون مع وزارة البيئة والبورصة.
واستمرت “الرقابة المالية” فى تسريع وتيرة تفعيل السوق من خلال تنظيم معايير قيد جهات التحقق والمصادقة على مشروعات الخفض، مما أسفر عن قيد 3 جهات محلية ودولية للقيام بهذه المهام.
وجدير بالذكر أن “المال جى تى إم” تنظم غدًا النسخة السابعة من مؤتمر “بورتفوليو إيجيبت 2024” والذى يتضمن عدة كلمات افتتاحية من بينها كلمة خاصة بالدكتور محمود محيى الدين، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، بالإضافة إلى جلسة مناقشة حول أسواق الكربون الطوعية فى المنطقة العربية تضم أحد المسئولين البارزين، وهى ريهام الجيزى، الرئيس التنفيذى لشركة سوق الكربون الطوعية الإقليمية السعودية.
مطالب بحوافز مالية للكيانات والمزارعين الذين يشاركون فى مشروعات خفض الانبعاثات
د.أحمد رشدى: الدعم الحكومى يعزز فرص النجاح ويشجع على الانخراط فى المبادرات البيئية
حلمى أبو العيش: حل المشكلة يشمل إصدار معايير محلية تتماشى مع ثقافة البلاد وطبيعتها
عمر النمر: تكلفة جهات التحقق والمصادقة مرتفعة .. و”الرقابة المالية” تسعى لتخفيضها