وزارة الوعى المصري!

محمد بكري

8:49 ص, الثلاثاء, 1 نوفمبر 22

محمد بكري

محمد بكري

8:49 ص, الثلاثاء, 1 نوفمبر 22

هل أتى على أهل مصر عهد لإنعاش وعيهم، لدرجة تدشين وزارة للوعى المصرى؟

أطلقت الإمارات فى 2016 «وزارة السعادة» لمواءمة كافة خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع (سبقتها مملكة الهيمالايا 1972 بوزارة السعادة الوطنية واعتبرتها مؤشرًا للسعادة وللتنمية الاقتصادية، كذلك أطلقت الهند وزارة اليوجا 2014). وإذا كانت الإمارات تحرص على توفير السعادة والرخاء والرفاهية لشعبها والمقيمين على أرضها، فهو توجه يخاطب وعى أكثر من 200 جنسية بها، تتعايش مع نظام دولة يرنو للتقدم وليس البقاء فقط، فيحرصون على تفاعلهم الإيجابى الذى يحافظ على ما تنجزه، بمردودات تنعكس عليهم ويسعدون بها.

التطور الذى شهدته الإمارات ودبى خصوصا فى 20 سنة وجعلها مدينة عربية برؤية عالمية، ثمرة رؤية استراتيجية طويلة المدى، لنظم إدارة ومتابعة وشفافية وتقنية، توائم تجمع وعى جمعى عالمى على أرضها، من ثقافات وخلفيات مختلفة، تحيا وتعمل داخل منظومة إدارية، تجاوزت مفهوم تأمين العلاقة بين (الحاكم والمحكوم)، لتأمين نظرة الإدارة لمعنى الدولة الحديثة المعتمدة على الإنسان أولا، وتفعيل آليات مطورة لاقتصاد قوي، لا يعتمد على البترول بالدرجة الأولى، ولكن على تطور واعٍ ومدروس ومؤمن للاستعانة بالخبرات العلمية والإدارية والتنفيذية العالمية، لتحويل دبى لنموذج الإدارة الحديثة، بتطوير العلاقة بين مقدم الخدمات ومنفذها، تأمين الملكية بضوابط، عدالة وإنفاذ القانون بلا تهاون، قضاء سريع حاسم، عدالة الفرص وموضوعية العرض والاعتراف بالكفاءات، دعم الإبداع وتأمينه، رقمنة الخدمات والرقابة ومحاصرة الفساد الإداري، رفع سقف الجودة، استثمار حقيقى فى التعليم والبحث العلمي، ربط الاقتصاد بقاطرة المال العالمي، تدعيم وتفعيل الانفتاح الإنتاجى والخدمى والاستهلاكى وحتى الترفيهى بقوانين تنسجم مع الاقتصاد العالمى وجاذبة للمستثمرين، وغيرها من مكونات جعلتها جاذبة للاستثمارات العالمية والجنسيات المختلفة، التى لا تجد – بوعيها وثقافتها – فيما تنحته الإمارات مستغربا أو متحكما! ببساطة تطبق الإمارات التطور الفعال لسياسة «الغُنم بالغُرم»، فما يغنمه المتعامل من صلاحيات، تسهيلات، امتيازات، حرية، خدمات، جودة، استيعاب للتطور والتحديث إلخ، يقابله غُرم والتزام ومسؤولية، بالعمل والانضباط واحترام النظم والانخراط فى منظومة التحديث، وعدم إعاقتها بالكامل، أو إفسادها، أو تعطيلها، أو محاولة تعديلها وتحييزها لجنسية، أو قطاع، أو فئة، أو دين.

ذكاء الإمارات فى وزارة السعادة، انعكاسا أذكى لإدراكها جوهر إنجاح منظومتها، باعتمادها على وعى الإنسان أولا، أو بالأحرى استثمار (وعي) المتواجدين على أرضها، فيما تقدمه لهم ويلمسوه بالفعل، لدرجة جعل (وعيهم الذاتى والاجتماعى والمالى والسياسى والفكرى)، هو حافزهم لدعم نجاح تجربة الإمارات واستدامتها وحمايتها وتطويرها، وتقبلهم لسياسة الغُنم بالغُرم بوعى ناضج، لتدعيم وتأمين استمرار استفادتهم بما يحصلون عليه! وبالتالى كان حتميا تأمين «إسعاد» هذا الوعى لضمان استمراره واستقراره، فينمو ويتطور لصالح الدولة ذاتها وبقائها ونجاحها، وليس العكس.

من الأمانة والموضوعية إدراك أن من أسباب نجاح تجربة الإمارات، حداثة عهد الدولة من 1971، صغر عدد السكان، وجود البترول، العلاقة المميزة بين الإمارات وإنجلترا منذ 1979 وتأثير الإدارة الإنجليزية فى خلافة دبى لهونج كونج، بالإضافة لشبه انعدام الدولة العميقة، وإفساح المواطنين لرؤية الدولة للنفاذ ودعمها بتعاون ناضج.

لذلك؛ لن يكون للسعادة معنى عند إنسان وعيه مرهق، مفسود، مشوش، محاط به أو مستهدف. لن يكون لها معنى فى وعى مرتبط بكثافة سكانية، لدولة عميقة، محكومة بالقاعدة الفرعونية (مات الملك عاش الملك) لاختراع العجلة مع كل عهد، أو عند أجيال تفتقد الوعى الذاتى والمالي، والاجتماعى، والفكرى، والسياسى لتقييم عادل لما تم فى 8 سنوات بإيجابياته وسلبياته! لا محل لمناقشة سعادة مواطن ووعيه محتاج إنعاشا لأمراض التغفيل الإعلامى والغفلة الذاتية والمالية والاجتماعية والتواكل والفساد واسترقاق الفكر والتحزب والفهلوة والدروشة، وحصر قضايا وجوده فى الزواج وزيادة دخله ومصاريف الدروس وسعر المُكيفات وركوب الترند وحرب الكورة ونقد الحكومة وتطوير الكومبينات.

بقدر حقيقة عظمة وتاريخ وخطورة وثراء وقوة مصر وعبقريتها الجيوسياسية، بقدر إدراك الكثيرين لتأثير هذه الحقيقة على (وعى المواطن المصري)، وخطورة إدراكه لها لحمايتها ودعمها وتنميتها! فكان حتما تلويث هذا الوعى بمنهجية تدريجية تجعل التمرد والهدم، نضالا! الفساد والرشوة، تنويعا لمصادر الدخل ومقاومة الفقر! انتقاد وتقويض محاولات البناء والتنمية، وطنية! البلطجة، قوة وقيادة! المهرجانات والكوميديا السوداء ودراما الفضائح والفساد، فنا! البيروقراطية و«سستمة» التقنية، إدارة! وغيرها من استراتيجيات ضرب الوعى المصرى فى التعليم والسياحة، والصحة، والدين، والثقافة. «وعى المواطن المصرى» مصطلح يخاطب الإنسان والإدارة معا، فلا إدارة بدون إنسان، ولا إنسان لا يحتاج إدارة!

استعراض تجربة وزارة السعادة الإماراتية، يجعل «وزارة الوعى المصرى» مهمة استراتيجية لنجدة مصر، وأساسا لتنميتها الحقيقية! فطالما وعى وإدراك ورؤية وتقييم المواطن، لواقعه الاجتماعى والسياسى والمالي، انعكاس وترجمة لوعيه المنهك والمتوعك، فأى محاولات لإسعاده وإنقاذه وتنميته وتطويره، ستكون محفوفة بمخاطر تأكيد تغييبه وتمرده بدعاوى الوطنية والنضال والحرية.

وزارة الوعى المصري، نبوءة تطل من غيب الصعب، وتقبل التحقيق بوعى تنفيذي، لإنقاذ أجيال تعاصر التيه وأخرى تحتاج الإنعاش، وقادمة تحتمها وتحتاجها التنمية الحقيقية.

فهل أتى على مصر عهد لإطلاق وزارة الوعى المصرى؟

* محامى وكاتب مصرى

[email protected]