كان هذا عنوان ورشة عمل نفذتها فى فندق موزارت أمام دار أوبرا أوديسا/ أوكرانيا 2019، لمجموعة مميزة من المشاركين رغبوا فى إعادة التعرف على مفهومهم “للصفقات الكبيرة”، وكيف يستفيدون منها فى أنشطتهم الخاصة مثل؛ الطب النفسي، التأمين، أزياء، استشارات مالية، محاماة، مبيعات، تغليف وبيع أونلاين، دعاية وإعلان، ذكاء عاطفي، برمجيات، رعاية صحية، بناء وتصميم ساونا، أعمال حرة، وساطة عقارية، ألعاب كمبيوتر، الطاقة. كان متوسط الفئات العمرية من الجنسين – وأغلبهم أصحاب أعمال – 27 إلى 45 سنة، وظاهر فيهم المعرفة والخبرة العملية، والأكثر شغفهم بالتعرف على مصدر جديد للمعلومات قد يضيف جديدا لهم، رغم احترافهم الفعلى لما يقومون به!
قسمت الورشة إلى مفهوم الصفقة الكبيرة، ثم أدوات إعدادها، ثم ما يتم أثناءها، ثم أسباب الاستسلام، ثم كيف تتعامل مع الفشل؟ ركز محتوى الورشة على الخبرات العملية الحياتية، وتفاصيل قد تغيب عنا أو نتجاهلها أو تلتبس علينا، ولكن أثرها يكون حاسما فى جميع النتائج التى تتعرض لها الصفقة! فالصفقة الكبيرة فى تأمين النجاة من مغارمها وليس فقط النجاح فى غنائمها! وبعد 4 سنوات تقريبا، ومع الظروف التى تمر بها المنطقة وتداعى العالم التجارى الذى نعرفه، وجدت أنه قد يكون مفيدا لكثير منا إعادة التعرف على وصفة عملية متواضعة للصفقات الكبيرة (مثل التطوير والتنمية العقارية والسياحية، البترول، التنمية الزراعية، التكنولوجيا، الأمن، تمويل المشروعات الدولية، الطاقة، وبصفة عامة المشروعات أو الصفقات متعددة الأطراف وجهات التنفيذ والجهات الإدارية والتمويل الضخم والمخاطر العالية)، بعدما عاينت مآسى عملية وتنفيذية من خلط المفاهيم، والادوار، وضياع الحقوق، وصراعات دون كيشوتيه، تورث العداوات المستمرة، بدون نتائج حقيقية إلا من ضياع الجهد والوقت والمال!
(مفهوم الصفقة الكبيرة)، يختلف عن تعريف المشروع! فالصفقة اتفاق طرفين أو أكثر لتبادل أو تنفيذ عمل معين بمقابل أو فائدة، وعادة تكون محددة الوقت والنطاق، أما المشروع فعمل أو نشاط مخطط له ويشمل سلسلة خطوات وإجراءات لتحقيق هدف ما، وعادة وقت تنفيذه أطول من الصفقة لاستغراقه عدة عمليات مُركبة. وقد تكون الصفقة كبيرة وبسيطة معا (مثل بيع ماس، أو عقار مميز، أو كمية بترول ضخمة، أو عقد وساطة متعدد الأطراف عن صفقة عملاقة)، وقد تكون الصفقة مُركبة يتولد عنها مشروع (كصفقة امتياز منجم ماس ترتب عليه مشروع تعدين الخام)، فى الحالتين يستدعى العمل المحترف إجابة الأسئلة التالية: صفقة كبيرة لمن وعلى من؟ من أطرافها الحقيقيون، ما موضوعها، قيمتها، موقعها، تعقد إجراءاتها القانونية والمالية والإدارية والتنفيذية، شكل نتائجها، منافسيها/ أعداؤها؟ (صفة الطرف المشارك فيها)، هل هو المالك – أو بطانته -، شريك، وكيل بالتصرف أو الإدارة، محامٍ، محاسب، وسيط، فريق مساعد، مُيسر إجراءات، مستفيد غير مباشر، شركة مُنفذة، مُسوق، مستشار أو خبير متخصص، مُنافس غير معلن؟ كثيرا ما تختل الصورة الذهنية عن الصفقة لدى أصحاب هذه الصفات، فيتنازعون فى صلاحيات وسلطات وأدوار، تشتت مسيرة الصفقة/ المشروع، وتؤثر فى صناعة قرارها النهائى بما يورث الفشل، أو أكل الحقوق، أو تأجيلها، أو تقليص جائر للأطراف!
(فى الإعداد للصفقة)؛ تحتاج الأطراف المعنية بالصفقة لتحديد موقع وصفة ودور المشاركين فيها وصلاحياتهم الحقيقية، توقيع عقود صريحة بحقوق كل الأطراف وتأمين ضوابط وكيفية وشكل حصولهم عليها بشفافية، بناء فريق عمل باختصاصات موضوعية مع تعيين رئيس ومنسق له، الاتفاق على شكل ومنهجية اتخاذ القرار داخل الفريق وصاحب القرار النهائي، تحديد “مراقب الأداء، وحارس المصالح، وحائط الصد” داخل الفريق، تصميم خارطة طريق للعلاقات والخطوات وأدوات الإثبات، مراجعة مستنداتنا التجارية ومركزنا المالى وقدرات التنفيذ، اختيار باحث للمعلومات والدراسات، جمع وبحث ودراسة كل/أى معلومات عن الطرف الآخر ومن بداخله يمثل حارس المصلحة وحائط الصد وصانع القرار الحقيقى وموضوع الصفقة وحالات المثل، فهم موضوعى لشروط وضوابط تعاقد وتنفيذ الطرف الآخر وما يعتبره ميزة أو عيب أو خطر وأى اعتبارات خاصة مُعلنة أو طبقا لعرف التعامل، تحضير ملف المستندات مرتبًا زمنيًا لكل العناصر والشروط والضوابط، تحضير أكبر قدر من الأسئلة والتفاصيل لطرحها، تحديد فريقنا لسقف وقاع الطلبات والتوقعات وما يمكنه تركه، ترتيب البدائل بموضوعية، اكتشاف مواطن قوتنا وضعفنا بموضوعية مباشرة، حصر إمكانياتنا الفعلية فى التنفيذ، حصر أدواتنا فى الضغط، معرفة وإعلان تعارض المصالح، تحديد الخطوط الحمراء وما يعتبر خطرا أو ضد المصلحة، تعيين مصدر وقيمة موازنة فعلية للمصروفات وتكاليف التفاوض والتعاقد (سفر، إقامة، ضيافة، إداريات)، تعيين مصدر للاتصال والتواصل مع الطرف الآخر وتحديد صلاحياته فى التصريحات والالتزامات، اتفاق فريقنا على تعريف نوع ودرجات النجاح، تعيين مدة زمنية لشواهد حياة أو تجميد أو موت الصفقة، اختيار أشكال فض المنازعات وتحديدها بوقت وقانون وتكاليف.
إذا ما نجح الطرف المعنى فى إعداده للصفقة، فهناك ما يقوم به (أثناء الصفقة/ المشروع)، ويشمل مراقبة الزمن أقيم عنصر فى تنفيذ الصفقات والمشروع سواء فى التفاوض أو الردود أو التعاقد، الإنصات الكامل لكل ما يقوله وما لا يقوله الطرف الآخر، تفعيل أدوات الإعداد على التوازى بانسجام خفي، مطالبة الطرف الآخر بمستندات المصداقية (أوراق تأسيس، ملاءة مالية، تراخيص، تحاليل، موافقات، شهادات، مواصفات، دراسات)، مراقبة وتوثيق ردود أفعال الطرف الآخر، تدوين أى وعود أو التزامات تتداول من الطرفين، تدعيم نقاط قوتنا وإخفاء أو تهوين ضعفنا، مراقبة محاولات ابتزاز وضباب واستمالة الطرف الآخر للحيد عن أهدافنا أو حدها الأدنى أو كسر حيادنا أو موضعيتنا، التأكد الدورى من فهم واقع الموضوع وعلاقات الأطراف، الاستعانة الفورية بخبير خارجى متخصص عند أى لبس أو غموض، إرسال ملخصات مكتوبة لأى اتفاقات أو تفسيرات شفهية، مراقبة تواريخ الردود واحترام المواعيد ومواعيد التعقيب والتسليم، عمل أرشيف لكل المكاتبات والاجتماعات، مراقبة التزام الأطراف المشاركة بأدوارهم وصلاحياتهم وردهم إن تجاوزوا، عدم توقيع أى مستند لا يُعبر عن حقيقة الموقف وقت التوقيع أو الاتفاق الأساسى أو تعديله النهائي، الحياد العاطفى تماما تجاه أى وعود أو مزايا ضبابية من الطرف الآخر، مقاومة إغراء أى عروض أو اتفاقات جانبية من الطرف الآخر، المحافظة على الحالة النفسية للفريق مقابل ضغوط الوقت والفوائد وتشرس الطرف الآخر، الاستعداد المسبق للتعامل مع المفاجآت والطلبات المتناقضة والحقائق المكتشفة، إعداد بدائل تقابل إستراتيجية “القضمة الأخيرة” لانتزاع الطرف الآخر ميزة أو شرطًا غير متفق عليه، اتقان فن الصمت والمحافظة على المسافات لعدم خلط الأوراق أو إساءة التفسيرات، عدم التأخر لمعالجة أى سقطة أو غفلة ومحاولة الرد عليها أو تبريرها فورا، تحجيم أو عزل أى طرف مشارك أظهر ضعفا أو ميلا، الاستعانة بعين خارجية بدون مصلحة كمستشار عام لتقييم للخطوات.
ورغم كل ما سبق، فقد تواجه الأطراف المشاركة لحظات استسلام تضعف تركيزها وبالتالى إرادتها، قد تؤدى لتنازلات قاصمة أو فشل محقق أو نجاح مجروح! وهو ما سنعرف أسبابه ومقاومته الحلقة القادمة.
* محامى وكاتب مصرى