وصفة لبناء الإنسان المصرى!

وصفة لبناء الإنسان المصرى!
محمد بكري

محمد بكري

9:29 ص, الخميس, 3 يونيو 21

توجيهات الرئيس السيسى ببناء الإنسان المصرى، تكليف رئاسى للمصريين كُل بموقعه وحسب فهمه، للتفاعل مع المبدأ والسعى الجاد لبحثه وتأصيله ومحاولة تنفيذه ولو ظهرت استحالته للكثيرين. لا يبدأ البناء قبل تحديد ومعرفة المبنى والغرض منه، وعليه يكون التصميم والنمط والآلية. لتفعيل مقترح البناء يلزمنا تحديد أبعاد شخصية الانسان الموجود، والمستهدف بنائه، ثم آلية تحقيقه.

بداية رصد الشخصية المصرية المستهدفة للبناء، هى المُعبرة عن المصرى الجمهورى! فالمصرى الملكى قبل 1952، كان رهين الطبقية الاجتماعية والإقطاع والرأسمالية الوطنية وتداخل الأجانب وتقاليد الطبقة الوسطى والتحديد الدينى والانفتاح الغربى، أدار الورق والراديو حياة المصرى الملكى، بصراعات ومطامع دولية مخفية عن الوعى الجمعى الدولى، وانعكس كل ذلك على سماته النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية وقتها، وتطورها بعد دخوله لعصر الجمهورية. متابعة بداية تاريخ السينما المصرية حتى 1966، يوثق ويكشف ذلك بمفردات اللغة والسلوك ومفاهيم العمل والتعليم والأسرة والدين والقيم والذوق، بل والخير والشر والصح والخطأ.

بمقال مميز للمفكر السيد ياسين، حلل تمحور الطابع المميز للشخصية المصرية فى ٤ لحظات تاريخية فارقة لمصر، هى لحظات هزيمة 67، وانتصار 73، والثورة فى 25 يناير 2011، والفوضى العارمة الموصلة لثورة 30 يونيو 2013، فسادت الشخصية الفهلوية لحظة الهزيمة، والشخصية الايجابية لحظة النصر، والشخصية الثورية لحظة الثورة، واخيرا تسيدت الشخصية الفوضوية لحظة الوصول لـ 30 /6 وامتدادها.

بالتوازى مع طابع تطور شخصية المصرى الجمهورى، تطور المكان أيضا لتكون القاهرة قلب عالم عبد الناصر، وبداية مدينة 6 أكتوبر عام 79 وخط المدن الجديدة لمرحلة السادات، وانطلاق القاهرة الجديدة عام 2000 وتكملة خط المدن بعصر مبارك، ثم بزوغ العاصمة الادارية الجديدة عام 2015.

عاصرت الزيادة السكانية الرهيبة مواكبة التطور العمرانى لمدن مصر، الذى شهد أيضا تطور حياة ونشاط وتأثير وتموقع وتوسعات فصيل الإخوان المسلمين وبطونه، بفكر وسلوك واقتصاد وتدين النسيج المصرى من 52 وحتى 2013.

بالتوالى العلمى لعصر التلفزيون، دخلت شخصية المصرى الجمهورى مرحلة العالم قرية صغيرة، من خلال الكاسيت، الفضائيات، الكمبيوتر، الإنترنت، منصات التواصل الاجتماعى. ليتمدد ويتشكل وعى المصرى كجزء من الوعى العالمى، فيتحول لمقلب يُصب فيه افكارا وقيما جديدة ومناهج وخطط وسياسات، ليتحول دور الإعلام والفن إلى أداة شرسة بيد السياسة والدين والفكر، ليتلاعب ويعدل بسمات الشخصية المصرية، فيحولها تدريجيا من الشخصية الايجابية المنتصرة، لشخصية انفتاحية، استهلاكية، سمسرية، بلطجية، تعصبية، مصلحجية. بالوقت الذى لم يلحق بتطور التلاعب الإعلامى والفنى، تطورا إيجابيا مكافيء بالتعليم والتدريب والتدين.

للامانة العلمية والواقعية تعرضت الرئاسة المصرية لمحاولة تطوير الشخصية المصرية من خلال قرار عبد الناصر 632 /1955 بإنشاء مركز الدراسات الاجتماعية والجنائية لدراسة أمراض المجتمع وسبل علاجها، قرار مبارك 523 /1981 بالمجلس الاعلى للتعليم، ثم مبادرة مبارك/كول 1991 للتعليم الفنى تأسيا بتجربة المانيا الاتحادية.

المحصلة، إنجاب تركيبة ميراث 52 و67 73 و81 لأجيال، بشخصيات تلحق بفلول الوجع ومسحة تشتتية وتيه انفتاحى وتأثير دينى وتلاعب فكرى موجه، فتغلب على الشخصية المصرية الطابع الثورى، ليفجر الفيسبوك خالد سعيد وشرر يناير 2011، ثم تخبو هذه الثورية المتفجرة لتطل الفوضى، وتستمر لثورة 30 يونيو 2013 وتاليها، لتصبح الفوضى طابعا عاما، بالوقت الذى كانت جغرافية مصر وبنيتها التحتية حتى 30/6 هى ثمرة 3 عصور مضنية من المحاولات والارهاق والتجريب والإدمان لتطبيقات القاعدة الفرعونية مات الملك عاش الملك! النتيجة شخصية الانسان المصرى الحالى بوتقة مصهور بداخلها خلطة الشخصية الفهلوية المقهورة، الايجابية، الثورية المفرغة، الفوضوية ببلطجة، القانطة والمأزومة اقتصاديا لتعديلات تنموية استراتيجية تفوق إمكانيتها وقدرتها لمواكبتها. فهل هذا أنسان يُبنى ام يُنكس؟

عندما انطلقت توجيهات الرئيس السيسى ببناء الانسان المصرى، أتصوره الإنسان الجدير بمصر الجديدة، الذى سيدافع عنه ويدير استراتيجيات حماية مصره الأوكتاجون بالعاصمة الادارية الجديدة، المُصنف كأخطر مبنى منافس للبنتاجون، بمن تُبنى له مدينة الذهب، وحى المال، ومحور قناة السويس و17 مدينة جديدة، بمن تُعد مرافقه وبنيته التحتية والتجارية والقانونية لتكون بوابة وقيادة افريقيا، يقينى هذا هو الإنسان المعنى بتوجيهات سيادته. واذا كان عمر مدينة 6 اكتوبر 42 سنة بقيمة البلاييين من بداية صفر عام 79، والتجمع بعمر 21 سنة بقيمة المليارات من صفر عام 2000، فلا عجب ببدء بناء المصرى الجديد من صفر 2021، لنشهد جيلا جديدا قائدا فى 2060، وما عشرات السنين بحياة الدول بحساب.

المتابعة الموضوعية لمحصلة شخصية المصرى الجمهورى، تستوعب قصور محاولات المراكز والدراسات الانسانية للشخصية المصرية فى 4 عصور، لعدم وجود رؤية مجمعة (لتصميم بناء الشخصية)، وليس دراسة امراضها، أو التسبب فيها أو محاولة علاجها! فبناء الشخصية حتما يعتمد رؤية واستراتيجية مجمعة لشكل ونمط وسلوك وفكر وهوية الانسان المصرى المطلوب للعقود القادمة.

سبق ونبهت لعدم تكافؤ سرعة وتطوير تنمية المكان، مع تطوير مكونات ومؤهلات المصرى الحالي! وعليه اقترح تأسيس (الهيئة العامة لبناء الانسان المصري) بقانون الهيئات العامة لسنة 203، كهيئة مستقلة تابعة للرئاسة، بهوية علمية مدنية وادارة عسكرية لضمان انضباط المدخلات والمخرجات والنتائج/ الخبرات العلمية والميدانية والبحثية هى معايير التعيين فقط تكلف الهيئة ببناء الشخصية المصرية الجديدة بمحاور صياغة رؤية مصر الوسطية للقرن 21، مواصفات المصرى المطلوب لمصر الجديدة، القيم والفكر والسلوك المتناسب مع ميراث ومستقبل المصرى بمصر العالمية، مواصفات المنهج المستهدف لشكل ورسالة وأهداف الاعلام والتعليم والتدريب والتدين لتأصيل الشخصية الجديدة الزامها بوضع خطة زمنية خلال 18 شهر، لتقديم دراسة وخطة ومنهج وسياسات وآليات البناء للمصرى الجديد بداية من مواليد 2017 وتوصيات بتطور تدريجى لتحسين المصرى الحالى سن 13 – 30 إطلاق مبادرة قومية لصندوق افكار بناء الانسان المصرى، وتخير الصالح منها للنسق النهائى.

منتجات الهيئة: اصدار معايير، مواصفات، شروط، سياسات لمصادر المعرفة والمعلومات المُشكلة لفكر ووعى الانسان المصرى الجديد بالتعليم، الاعلام، التدريب، التربية الدينية/ مقترح تعديلات للتشريعات الجارية المتماسة مع البناء واقتراح تشريعات جديدة لتمتينه/ الاشراف على تفعيل حضانات تطويرية بالجمهورية للفئة العمرية المختارة لبداية البناء تصميم برامج تطويرية لخطوط فكر التعليم والإعلام والفن والمؤسسات الدينية بالتنسيق مع وزاراتها، لضمان وصول التطور التدريجى للفئة العمرية المعالجة دراسات رصد وتقييم وتقارير لاداء وزارت المحاور المختارة وتأثيراتها على الفئة العمرية المعالجة والجديدة.

قد يكون ذلك مقترح أو حلم أو مستحيل، ولكنه تلبية متواضعة من مصرى مخلص.

* محامى وكاتب مصرى

[email protected]