من المتفق عليه أن مصر هى التى شهدت نشأة جماعة «الإخوان المسلمين» 1928، بعد سنوات قليلة من سقوط «دولة الخلافة» فى تركيا، وما خلفته من فراغ عن الاستعمال السياسى للدين.. الذى حاولت جماعة الإخوان شغله فى مصر قبل أن تنتشر فروعها المحلية إلى خارجها، إذ كانت بمثابة البديل للتنظيم «الأم» كلما لاحقته الضربات السياسية والأمنية، الأمر الذى غاب عن سياسة مصر الخارجية تعقبه وحصاره، ما وفر للتنظيم الدولى- وفروعه- أسباب القوة البشرية والمالية والثقافية والاجتماعية، إلى أن تمكنت الجماعة إبان حراكات الربيع العربى 2011 من الاستيلاء على السلطة فى مصر- لعامين- وإلى تكريس نفوذها فى العديد من الدول العربية، فيما باتت تهدد أخريات بإسقاط أنظمتها الحاكمة، لصالح الجماعة، ولتساهم مصر منذ 2013 على الصعيدين الإقليمى والدولى بحصار وتقليم التنظيمات المنشقة عنها، باعتبارها جماعات إرهابية تمارس العنف المسلح فى مختلف أنحاء المعمورة، ذلك حفاظاً على أمن مصر الداخلى، كأولوية نحو هدفها المباشر، ولتجفيف منابع الإرهاب (فى الخارج)، كهدف تالٍ ونهائى، الأمر الذى يلقى نجاحاً مع اتجاه العديد من الدول الغربية، وفى داخل الإقليم، حين تقر معظمها بحظر جماعة الإخوان كتنظيم إرهابى، أو بتضييق الخناق عليها وعلى أنشطتهم أو بتسليم الخلايا الهاربة من مصر إلى السلطات القضائية، كان آخرها عن الكويت، الدولة الخليجية الكبرى، ذات التأثير المتوازن داخل الإقليم وخارجه، إذ كان القلق- لا يزال- بفرض قيامها، على غرار السعودية فيما بعد منتصف الخمسينيات باحتضان ورعاية قيادات الجماعة الفارين آنئذٍ من مصر، ذلك قبل أن تعدل الرياض موقفها من جماعة الإخوان منذ 2011، لاستشعار خطورتها على المملكة، وعلى الأمن القومى العربى، وإلى أن أعلنت الكويت فى 14 يوليو 2019.. تسليم مصر أعضاء خلية إخوانية مطلوبين قضائياً، مؤكدة على جدّية التنسيق والتعاون الأمنى مع مصر، كما غادر البلاد فى السياق نفسه 300 مصرى ينتمون إلى جماعة الإخوان، سواء إلى تركيا (التى تطالب المعارضة فيها بفض العلاقة مع الإخوان)، أو إلى دول أخرى.. لا ترقى رعايتها إلى ما كانت تقدمه الكويت إلى الجماعة، كتنظيم وفكرة، مما كان له بالغ الأثر فى دعم نفوذها لدى دول رئيسية داخل الإقليم وخارجه، ومن هنا تأتى أهمية خطوة الكويت الأخيرة بالنسبة لموقفها من جماعة الإخوان، وهى التى تحظى بحضور واسع برلمانى ومالى واجتماعى وثقافى.. ودينياً، توفره «جمعية الإصلاح»، أقدم مؤسسة إخوانية مستمرة فى الخليج العربى، منذ أن كان مؤسسها الأول (وشقيقه) تلميذاً مباشراً لمؤسس الجماعة «حسن البنا»، ما يجعل الكويت أشبه برمانة الميزان للحضور الإخوانى فى منطقة الخليج.
إلى ذلك، قد تدور التساؤلات عن خلفيات هذا القرار الذى اتخذته دولة الكويت، إما حفاظاً على أمنها الداخلى لاستشعارها خطر المعارضة الإخوانية على استقرار البلاد، أو ربما استجابة لمطالب أمنية من مصر التى سبق لها أن وقفت جانب الكويت فى 1963، 1990 ضد محاولات التوسع العراقى، وإما نتيجة لتضخم النفوذ المحلى للإخوان منذ تصديهم لقيادة المقاومة الداخلية إبان الغزو العراقى، أو أن تكون تلك الخطوة فى إطار تكريس التضامن لدول مجلس التعاون الخليجى إزاء مواجهة دور قطر (وتركيا) فى تمويل الإخوان بالمال والسلاح والإيواء وبالمنصات الإعلامية، وليس آخراً أن تكون تأكيداً لارتباط دور مصر بأمن الخليج، كسياسة ثابتة للقاهرة، مما دفع الكويت لأن تتخذ مثل هذه الخطوة التى إن لم تكن الأولى تجاه مصر، فهى أضخم واقعة يتم فيها وصم جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب «كويتياً»، ليس كشىء عابر.. بل لما بعده من تطورات تؤكد صدقية ما تذهب إليه محورية الدور المصرى الجديد إقليمياً.